المعماري الذي شيد قبة الموانئ |
قبة فيروزية أنيقة توجت هامة أقدم البنايات المينائية المقامة على ضفاف شط العرب, وجمعت زرقة سماء البصرة بزرقة مياهها البحرية, فزينت واجهات مدينة المعقل بهامتها السماوية الشامخة, وتحدت أشرس الغارات الجوية, ووقفت بوجه أعنف القنابل الموجهة ضدنا, وسخرت من شظايا القصف المدفعي المكثف على مدى ربع قرن, فظلت صامدة واحتفظت بأصالتها المعمارية, التي مزجت التراث الإسلامي بمكونات الزقورة السومرية, فلم تصب بأي خدش, ولم يتغير بريقها الناصع, ولم تتشقق جدرانها المتماسكة, على الرغم من تعاقب العقود, وعلى الرغم من شدة الانفجارات المدوية, التي أغرقت السفن العملاقة الراسية على الأرصفة القريبة منها, وعلى الرغم من كل الدمار والخراب, الذي لحق بالمباني والمنشآت الحيوية المجاورة لها, بينما ظلت القبة الفيروزية في مكانها نفسه منذ اليوم الذي تكورت فيه على يد المعماري (الإسطة إبراهيم محمد الگاطع), وحتى يومنا هذا . الصورة المفقودة كانت صورة هذا المعماري المبدع تزين الرواق العلوي الداخلي للمبنى, وكان رئيس المهندسين عبد الرزاق عبد الوهاب علي, أول من علقها هنا بعد توليه المنصب الإداري الأعلى في الشركة العامة لموانئ العراق, لكنها اختفت في الفوضى الشعبية العارمة, ربما انزلوها من مكانها طمعا بإطارها الجميل من دون أن يعرفوا منزلة صاحب الصورة, ومن دون أن يعلموا بمكانته الرفيعة في ذاكرتنا المينائية, وهكذا اختفت الصورة مثلما اختفت اللوحات التشكيلية الانطباعية الثمينة من متحف اللوفر, كانت الصورة بالنسبة لنا قطعة تراثية لا تقدر بثمن, فهي عندنا أروع بكثير من لوحات سيزان وبيكاسو وغوغان ورامبرانت. . أذكر إنّ المشاور القانوني الأسبق الأستاذ (عمار مهدي العطية) كان من أشد الموظفين حزنا وتأثراً على فقدانها, وكان كثير التحدث عن مهارات المعماري (الإسطة إبراهيم). . وهكذا فقدنا الأمل في استرجاعها, حتى جاء اليوم الذي أرسلت فيه حفيدته (نضال) نسخة من الصورة اليتيمة, التي التقطها ابنه الوحيد (يوسف), وكان من هواة التصوير الفوتوغرافي, فالتقط له هذه الصورة في منزله المجاور لبيت والده بمحلة السِيف في البصرة, وحمضّها بنفسه وطبعها في معمله الصغير قبل انتقاله إلى بغداد. . شظايا في مستشفى المجيدية ولد المعماري (إبراهيم) عام 1895 في مدينة الفضل ببغداد, ونشأ وترعرع فيها, حتى جاء اليوم الذي اجبره الوالي العثماني مع أقرانه من البغداديين للالتحاق بالجيش الانكشاري بما يسمى آنذاك (الخدمة الإجبارية) وهو التعبير الأصح لعبارة (الخدمة الإلزامية), فتوجه إبراهيم مباشرة لخوض المعارك في جبهات القتال بعد مضي شهر واحد على اندلاع الحرب العالمية الأولى, فأصيب في ساقه بحوالي (14) شظية, نقل على أثرها إلى مستشفى (المجيدية) ببغداد على ضفاف نهر دجلة, وهو المستشفى الذي كان قصرا منيفاً للوالي محمد نجيب باشا عام 1848, فحوّره المشير رجب باشا عام 1900 إلى مستشفى عسكري, وأطلق عليه اسم (مجيدية خستخانه سي) باللغة التركية تخليداً لذكرى تولي السلطان عبد المجيد الخلافة. . كانت إصابته مميتة, فقرر الأطباء بتر ساقه بعملية جراحية تجرى له في اليوم التالي, سمع إبراهيم همسهم وتحاورهم باللغة التركية, التي يفهمها ويتقنها, فانتهز حلول الظلام الدامس, وهرب من المستشفى بعد منتصف الليل, متكئاً تارة على ساقه السليمة, وزاحفاً تارة أخرى بين العشب والأحراش, حتى وصل بيتهم في محلة (الفضل), فأخفته أمه في مكان آمن, وباشرت بعلاجه بطب الأعشاب والعقاقير المنزلية البدائية, فتماثل إلى الشفاء بعد بضعة أشهر, واستعاد قدرته على المشي, محتفظاً ببعض الشظايا داخل جسمه, حتى يوم وفاته في البصرة عام 1964. . الانطلاق نحو عوالم الإبداع عمل في بداية حياته في مهنة التجارة, لكنه لم يُوفق فيها, فتركها إلى غير رجعة, وراح يشق طريقه في عالم البناء والتعمير, فبرع في تشييد القباب والمآذن والمساجد, وذاع صيته في هذه الحرفة النادرة, فكان من أمهر البنائين والمعماريين على الرغم من حداثة عهده في البناء. . تزوج في عشرينيات القرن الماضي, ورزق بابنه الوحيد (يوسف)عام 1922, سار يوسف على خطى أبيه في عالم الهندسة المعمارية, لكنه اتخذ من التعليم الأكاديمي منهجا علمياً له, فكان من خريجي مدرسة الهندسة ببغداد, وقد تحولت هذه المدرسة إلى كلية من ضمن الكليات التابعة لجامعة بغداد في بداية تأسيسها, وتوفي رحمه الله عام 1982, وقد أكمل ابنه (حيدر) سيرتهما الهندسية فحصل على شهادة البكالوريوس في هندسة الاتصالات. . للمعماري إبراهيم أربع بنات, هن: خديجة, حمدية, سهام, وليلى. وكانت الحاجة نضال حفيدته من ابنته خديجة, وهي التي يعود لها الفضل في تزويدنا بصورته, وفي رفدنا بالمعلومات الغامضة علينا, والشيء بالشيء يذكر ان السيدة نضال هي زوجة الكابتن البحري علي صالح العامر, وهو ابن شقيق الكابتن والمرشد البحري الأقدم يوسف العامر (أبو ثائر) رحمه الله. . توجه المعماري إبراهيم إلى البصرة واشتغل في بناء البيوت الفخمة على الطراز البصري المزين بالشناشيل, وكان في بداية أمره متنقلا بين بغداد والبصرة, ثم استقر في البصرة, وسكن في محلة السِيف مقابل دائرة الطابو, لكنه ظل يلبس (الصاية), ويعتمر (الـﭽراوية) البغدادية حتى وفاته رحمه الله. . اما أفضل منجزاته المعمارية التي سبقت تشييد قبة الموانئ العراقية فكانت مشاركته مع البنائين العراقيين, الذين أسهموا في بناء الثانوية المركزية بالبصرة, وتذكر المصادر التاريخية إن العوائل البصرية, ومنها بيت النقيب والمنديل والذكير وباش أعيان والسلمان والبدر وبركات وحنا الشيخ وغيرهم, تبرعوا بمبلغ (17) ألف روبية, وعهدوا ببناء الثانوية إلى أحد المقاولين, فأكمل الطابق الأرضي, ثم توقف بسبب خسارته المالية, ما اضطر الأهالي إلى التبرع بمبلغ (6) آلاف روبية إضافية لاستكمال تشييد البناية, وكان ذلك بين عامي (1923 – 1926), إلا إن البناية استثمرت كمدرسة عام 1925, واسمها الأسبق (ثانوية البصرة), وكان مديرها الأول هو السيد (فهمي سعيد الجرموقلي), وقد بنيت على الطراز الانجليزي, ثم أضيفت لها بعض اللمسات الهندسية المتناغمة مع الطابع المعماري للبصرة, وكان الإسطة إبراهيم هو الذي وقع عليه الاختيار لبناء أقواسها الخارجية والداخلية, وتُركت له حرية التصرف في تشكيل المكونات العربية المضافة للمبنى. . الفأس والخيط والشاقول سمع الكولونيل (جي سي وورد) ببراعة العم أبو يوسف, ومهاراته الهندسية الفريدة في الهندسة المعمارية, وكان الكولونيل هو المدير العام الأول للموانئ العراقية منذ بداية تأسيسها عام 1919 وحتى عام 1942, فقرر تكليفه عام 1930 ببناء الأروقة المقوسة للبناية الجديدة , وأناط به مهمة بناء الفناء الداخلي الأوسط, وتنفيذ قبتها الفيروزية الكبيرة. . لم يكن الإسطة إبراهيم يمتلك جهاز التوتال استيشن (Total Station Device) عندما شرع ببناء القبة, ولا أي جهاز من الأجهزة الالكترونية الرقمية الحديثة المستعملة الآن في ضبط تقوسات القباب, فكل الذي كان يمتلكه وقتذاك هو المعدات اليدوية البسيطة, التي تتألف من ثلاث أدوات فقط, هي الفأس والخيط والشاقول, لكنك إن جلبت التوتال استيشن الآن, وفحصت تقوسات القبة, وعاينت منحنياتها, ودققت في منعطفاتها لما وجدت فيها انحرافا طفيفاً واحداً, حتى يُخيل إليك إن الذي شيدها كان يمتلك أحدث التقنيات الفضائية المستعملة في قياس الزوايا وحساب المسافات والنسب المثلثية, فقد كان الإسطة إبراهيم يمتلك قدرات مذهلة لا يتصورها العقل في ضبط زوايا الجدران المائلة والمنحنية مهما كبر محيطها أو صغر, معتمدا بالدرجة الأولى على موهبته الفريدة التي وهبها له الله. . شيء من تاريخ المبنى يذكر الأستاذ عمار مهدي العطية ان مبنى الموانئ العراقية افتتح يوم السبت 18 شوال 1350 هجري, الموافق 17 مارس (آذار) 1931 ميلادي, وحضر حفل الافتتاح المغفور له الملك فيصل الأول, وهو الذي قص شريط الافتتاح, فانتقلت إدارة الموانئ في ذلك اليوم من بنايتها القديمة في (الصالحية) القريبة من (التنومة) إلى موقعها الحالي لتكون قريبة من أرصفة ميناء المعقل, وشارك فضيلة قاضي البصرة الأسبق الشيخ محيي الدين شيخ العرب بقصيدة نسجها لهذه المناسبة, ذكر منها (العطية) هذه الأبيات, التي تؤرخ يوم افتتاح البناية الجديدة بالتقويم الهجري: قصر تسامى بالفخامة حاكيا هرما لمصر في ربى الفيحاء قد شيد في شكل بديع صنعه وسمت سناه بقبة زرقاء حين الكمال تقرر استفتاحه بحضور فيصل سيد الأمراء وحوى الجميع بحفلة أرختها مسك الختام إدارة الميناء من المفيد أن نذكر هنا إن المهندس المشرف على التنفيذ كان الأستاذ (محمد خان) والد رئيس المهندسين الأستاذ (ناصر محمد خان) رحمهما الله, وكان اسم المهندس محمد خان محفورا في اللوحة الرخامية للحجر الأساس. . عبقرية هندسية فطرية يرجع تفوق الإسطة إبراهيم وتميز أعماله إلى فطرته المعمارية النقية, وخبرته الواسعة المستقاة من اطلاعه على الفنون العمرانية الشائعة في بغداد والمدن العراقية الأخرى, فمن خلال مزجه بين أنماط معمارية متباينة, بين نمط العمارة البغدادية والبصرية والتركية والفارسية, أنتج أعمالاً عمرانية متجددة لا تشبه غيرها, وظهرت عبقريته العمرانية بشكل جلي في تعاطيه مع إشكالية الفراغات وبناء القبب, وذلك بتوصله إلى تكوين تركيبة هندسية عالية المستوى, شغلت جميع عناصر المبنى المشاد, محققاً انسجاماً وتناسقاً ملفتاً للنظر بين هيئة الشكل الخارجي ونوعية الفضاء الداخلي. . بيد أنه أحرز شهادة هندسية عالية بعد تفوقه على معاصريه في تنفيذ نقوش الواجهات الخارجية لمبنى الموانئ العراقية بالطابوق المنجور, وتألقه في بناء القبة الفيروزية الجميلة, فكانت خير شاهد على عبقريته وابتكاراته. . لقد حملت القبة توقيعه حتى يومنا هذا, ووضعته في طليعة الرواد الذين تركوا بصماتهم الإبداعية على صفحات تاريخنا البحري, فحاز على إعجاب المتخصصين والمهتمين بالفنون المعمارية التراثية. . لقد حاول بعض المهندسين في الشركة العامة لموانئ العراق تقليد هذا المعماري الكبير عن طريق بناء قبة صغيرة جدا عند مدخل دائرة الاستعلامات الخارجية, فكانت وعلى الرغم من صغرها وانخفاض ارتفاعها, وعلى الرغم من تقزمها, كانت عبارة عن صورة مشوهة عن الأصل, وجاءت لتمنح المعماري إبراهيم شهادة أخرى بتفوقه على الذين أكملوا دراساتهم الجامعية العليا في الكليات الهندسية, فلم يحسنوا التقليد, ولم يحالفهم الحظ في إخراج هذا النموذج المصغر بالشكل الحسن. . نشر المعماري إبراهيم إبداعاته الهندسية في عموم ضواحي البصرة, فشيد القصور والمباني الحكومية, واسهم في بناء المآذن والقباب في المساجد والجوامع تقرباً إلى الله, ومن دون أن يتلقى أي أجر, وكان ميالا للزخرفة الخارجية والداخلية بالطابوق المنجور بزوايا وتقاطيع متشابكة, وبتقوسات متقنة وانحناءات دقيقة, تزينها القباب, التي صممها ليغطي بها الفراغات الكبيرة عن طريق تحويل الحمولات الأفقية إلى حمولات شاقولية عمودية وبأقل سماكة ممكنة, وكان آخر ما بناه قبيل وفاته منزلا صغيرا رائعا لأحدى بناته الأربع في مدينة البصرة. . شجرة الأولاد والأحفاد يحق لأبناء هذا المعماري الفذ وأحفاده أن يفخروا ويتفاخروا بما قدمه والدهم أو جدهم من منجزات معمارية خالدة, صارت من المعالم التراثية والتجارية والإدارية والملاحية والمينائية الشامخة لمدينة البصرة. . نذكر هنا أسماء الأبناء حسب تسلسلهم العمري:- 1. يوسف إبراهيم محمد الكاطع, مواليد 1922 عمل مهندساً في تشكيلات وزارتي النقل والتخطيط. 2. خديجة إبراهيم محمد الكاطع, مواليد 1926 ربة بيت. 3. حمدية إبراهيم محمد الكاطع, مواليد 1933ربة بيت. 4. سهام إبراهيم محمد الكاطع, مواليد 1936معلمة في مدارس البصرة. 5. ليلى إبراهيم محمد الكاطع, مواليد 1939معلمة في مدارس البصرة. اما الأحفاد فهم حسب التسلسل العمري وكما مبين في الجدول التالي مع الإشارة إلى ارتباطهم الرقمي بالآباء:- اسم الحفيد (الحفيدة) التولد الارتباط التحصيل العلمي السيدة هيفاء جودة 1948 2 بكالوريوس علوم حياة جامعة بغداد السيدة نضال جمال آل معروف 1955 2 بكالوريوس إحصاء جامعة بغداد السيدة كرامة يوسف 1959 1 بكالوريوس تجارة السيد الهادي محمد جواد 1960 4 بكالوريوس هندسة مدنية, وماجستير إدارة أعمال من استراليا السيدة هدى محمد جواد 1962 4 بكالوريوس هندسة ميكانيك جامعة البصرة السيد علي السعيدي 1965 5 بكالوريوس هندسة ميكانيك وماجستير إدارة أعمال من أمريكا السيد أبو فراس محمد جواد 1966 4 ماجستير علوم رياضيات جامعة البصرة السيد عدي السعيدي 1966 5 دبلوم عال هندسة مدنية من بريطانيا السيدة زينب يوسف 1970 1 دبلوم تجارة من جامعة بغداد السيد حيدر يوسف 1973 1 بكالوريوس هندسة حاسبات (بغداد) السيدة علياء السعيدي 1973 5 بكالوريوس صيدلة من جامعة بغداد تحية واحترام اعتاد العاملون في الموانئ العراقية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا على قراءة سورة الفاتحة, والترحم على روح المعماري الكبير (إبراهيم محمد الگاطع), الذي أهدانا هذا الصرح الهندسي العظيم, وشيده بأدواته البدائية البسيطة, ولسنا مغالين إذا قلنا إننا اليوم أكثر فخرا واعتزازا بمنجزات هذا الرجل الرائع, لأنه يمثل في نظرنا صورة ناصعة من صور الزمن النظيف, حيث لا تجد مكانا للمراوغة الهندسية الشائعة هذه الأيام, ولا مواد البناء المغشوشة, ولا تجد نقصاً أو قصوراً أو فجوة صغيرة, أو ثغرة واحدة في جدران العز التي حافظت على نكهة الموانئ العراقية, وصانت مجدها وتاريخها العريق. . حتى الوفود الأجنبية التي سنحت لها فرصة المرور تحت خيمة القبة الفيروزية تراهم يقفون مبهورين مندهشين بروعة المكونات العربية التي حملت القبة الكبيرة, فيلتقطون لها الصور التذكارية, وأحيانا يسألوننا عن خصائصها الهندسية ومقوماتها البنائية, إلا أنهم يسألوننا أولاً عن المهندس المبدع الذي صنعها وضبط زواياها وأتقن منحنياتها, في أي المعاهد تلقى علومه ؟, ومن أي الجامعات نال شهادته العليا ؟, وما هي مشاريعه الهندسية الأخرى ؟. فنقول لهم انه تعلم بالفطرة, ونشأ في ربوع الميزوبوتاميا, وتسلح بأخلاق القرية, فكان من بين القلائل, الذين عملوا عملاً صالحاً فأتقنوه. . الرحيل مع كروان الفجر في مساء يوم الخميس الموافق العاشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1964, كان العم أبو يوسف يصلي المغرب على سجادته الصغيرة, التي رافقته منذ بلوغه سن الرشد, فسجد سجدة التشهد, وظل ساجداً بلا حراك, شعر الأهل انه أطال السجود, فجاءوا إليه ووجدوه فاقد الوعي, فنقله ابن أخيه الدكتور قيس عبد المجيد الكاطع على الفور إلى غرفة الإنعاش في المستشفى الجمهوري, وظهر من نتيجة الفحص انه تعرض لجلطة قلبية مباغتة, فمكث ليلته تلك على سرير العناية المركزة. . يروي الدكتور قيس المتوفى عام 2008, ان عمه أبو يوسف كان يريد أن يخبره بشيء ما في الساعات الأخيرة من تلك الليلة, لكنه لم يكن يفهم ما يريده عمه منه, ولم يفلح في الاستيضاح منه بالإشارة, وصادف انه فتح المذياع (الراديو) قبيل آذان الفجر, وكانت الإذاعة تبث قراءة للقرآن الكريم, فشدَّ العم أبو يوسف على يد الدكتور قيس, وكأنه يريد أن يقول له: هذا هو ما أريد الاستماع إليه الآن, وما ن انتهت القراءة حتى جلجل صوت أذان الفجر من المذياع, فرفع أبو يوسف سبابته للتشهد, ثم فارق الحياة في الدقائق الأولى لصلاة الفجر ليوم الجمعة, السابع من شعبان من عام 1384 للهجرة, الموافق الحادي عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1964. رحمه الله ورحم كل مبدعينا المتميزين بأعمالهم الوطنية الخالدة. |