هل حاول احد مسؤولينا من الذين نصبوا في غفلة من الزمن في غير المكان المناسب، ان يروضوا انفسهم على قبول النقد من الآخرين؟ وهل حاولوا ان يجربوا ممارسة النقد الذاتي ليصلحوا عيوب انفسهم قبل ان ينبههم عليها احد وقبل ان يحاولوا اصلاح عيوب غيرهم؟ مثل هذه الاسئلة معروفة اجابتها، فليس فيهم من يقبل النقد الا ما ندر، وليس فيهم من ينتقد نفسه قبل الآخرين الا ما قل. فأغلبهم يحمل عقد نفسية ومركبات نقص وغايات حاوية ربحية بمزايدات وطنية باتت لا تتطلب على اي ساذج. ادعياء للتطور والرقي، متعالون على خلق الله من الذين يعتبرونهم دونهم علماً وفهماً مع ان العكس هو الصحيح، ومثل هؤلاء المسؤولين تلمح الغباء وعدم القدرة على الفهم والاستيعاب ظاهراً على تقاسيم وجهها... البعض منهم ان لم يكن اغلبهم يتحول الى موجة ومرشد خطير للآخرين... كلما سنحت له الفرصة بذلك، وهو يعتلي منصة الارشاد دون ان يراعي انه لا يعي اهمية التوجه السليم بالتي هي احسن، ولا يدرك ضرورة احترام مشاعر الآخرين، ولا يراعي ظروفهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى المعايشة التي قد تدفعهم للتقصير في أمر ما، وهو في نصحه ينسى نفسه، وهو الاولى بهذا النصح والاجدر بهذا التوجيه والنقد. والذين يتعاملون مع غيرهم باستعلاء ويضيقون ذرعاً بأي نقد، هم اكثر الناس حباً في توجيه النقد الى غيرهم وتوجيههم الى ما يعتقدون انه صحيح وسليم. ولو نظر كل منهم الى ذاته لادراك انه الاولى بالنقد والاولى بالتوجيه. والنقد الذاتي يتيح للمرء ليس فقط اصلاح ذاته ولكنه يكسبه احترام الآخرين ويجعله محل تقديرهم، والتخلص من عيوب الذات سيصرفه عن تتبع عيوب غيره فيزداد احترام الآخرين له وتزداد ثقتهم به. وعلماء النفس يرون ان الذين ينشغلون بالبحث عن عيوب غيرهم او ينشغلون بتوجيه النقد لغيرهم، انما يحاولون تغطية نقص معين يشعرون به ولا يملكون الوسيلة لعلاجه، فهم مرضى بشكل او بآخر، والاولى ان يعالجوا انفسهم بالتوجه الى اقرب عيادة نفسية. وليت هؤلاء المغرمون بالنقد يوجهون نقدهم لاصلاح العيوب المستشرية في مؤسساتهم –بسببهم- بدل الانشغال بعيوب الموظف فلان وعلاقات الموظفة فلانة، وانتماءات ذاك الحزبية والمذهبية، ومواقف هذا منه ومن مؤسسته وتوجيه النقد الجارح لتصرفاتهم واعمالهم التي ربما لا علاقة لها بالعمل في الوقت الذي تندرج فيه عيوب هؤلاء تحت قائمة طويلة من المثالب والاخطاء المتكررة.... فمثل هؤلاء يسيئون الى المؤسسة التي يديرونها اساءة كبيرة، خاصة اذا كانت من تلك المؤسسات الخطيرة التي تصنع العقل وتكيف اتجاهاته الفكرية والسياسية... فالويل كل الويل لمن يوجه لهم اي نقد او يتجرأ على لفت نظرهم الى تلك المثالب والاخطاء... فانهم يصبحون حسب تصفياتهم خونة ومتمردين... ان الانسان السوي الى جانب انه يتقبل نقد الآخرين وتوجيههم له، لا يكتفي بذلك بل يحاسب نفسه بين آونة وأخرى ويعيد النظر في قراراته اذا اتضح له انها خطأ، وذلك لثقته بنفسه وبقدراته على تجاوز الاخطاء... وهذا ما نحتاجه وما يحتاجه هؤلاء على الاخص، ان نمارسه كل من موقعه ومسؤوليته. ان المسؤولية، مجالاً لاثبات نيل خصال كريمة وليس وسيلة لتعويض نقص او فرصة للتشفي واثبات الذات والانشغال بتوافه الامور واهمال القضايا المهمة المساعدة في عملية التطور والرقي في تلك المؤسسة، ولا يحسبون انهم الوحيدون الذي خلق لهم كرسي وراء مكتب، فكم عقدتهم المكاتب بانحناءاتها الذليلة امامها.. ان النقد الذاتي هو ان نحاسب انفسنا قبل ان يحاسبنا الآخرون للعودة الى الحق، لأن العودة الى الحق فضيلة والعودة الى الحق خير من التمادي في الباطل. |