اردوغان وسياسة اسلمة الدولة |
دخلت الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في اغلب المدن التركية الرئيسية , اسبوعها الثالث , ولا توجد في الافق بوادر انفراج وحلحلة , بل يتصاعد الاستياء والغضب والتذمر الشعبي بخطى متصاعدة . برفض سياسة اردوغان المتشددة , واصراره العنيد في المضيء في نهج ونمط سياسي معين , هو اسلمة الدولة والمجتمع , وارغام الشعب في التقيد والانصياع له . وهذا يعتبر تهديد جدي ومباشر للحريات الاساسية , والتدخل في حياة المواطنين الشخصية , ان ردود الافعال الجماهيرية في خط متصاعد بشكل واضح , وليس السبب المباشر لهذه الحركات الشعبية , هو تحويل حديقة الى مركز تجاري , انما المقصود والهدف هو ابعد بكثير من قلع الاشجار . ان هذه الحادثة هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير . فقد تحولت شرارة الاحتجاج لتعلن رفض السياسة الاردوغانية ,في الطموح الجامح في السيطرة على مفاصل الدولة والحياة العامة , لفرض توجه اسلامي في اسلمة الدولة وخنق الحريات الاساسية , واجبار المواطنين على اتباع نمط معين من الحياة , بثوب محافظ ومتشدد , بما فيها منع بيع الخمور , والتضييق على جوانب الحياة الشخصية , ومهما تشدق اردوغان بنعت الحركة الاحتجاجية , بانها ( انتفاضة المخمورين ) لكن هذا لن ينقذه من هدفه المعلن في تمزيق الدولة العلمانية , وتاتي الردود الجماهيرية في سبيل المحافظة على علمانية الدولة , ولاسيما ان العلمانية لها جذور قوية ومتينة منذ مؤسسها مصطفى اتاتورك , والتي تعتمد عن فصل الدين عن الدولة , وظلت قوية وثابتة ومتينة , رغم تعاقب الحكومات على الدولة التركية , ولكنها حافظت على نمطها العلماني . وعند مجيء اردوغان عام 2002 . انتهج سياسة معتدلة , وحافظ على علمانية الدولة , مما ساعده في التفرغ الى تطوير تركيا , وجعلها دولة متطورة ومتقدمة في جميع مجالات الحياة , وشمل هذا التطور الاقتصادي على دخول الافراد , حتى صار دخل الفرد السنوي حوالي 10 الاف دولار سنويا , بعد ما كان 3500 ألف دولار , ووصل النمو الاقتصادي على درجات متقدمة من التطوير المزدهر , حتى وصلت تركيا ان تحتل المرتبة السابعة عشر على مستوى العالم في النمو الاقتصادي , واقتربت كثيرا في تحقيق حلمها الكبير بالانضمام الى الاسرة الاوربية . لكن كان الاتحاد الاوربي كان يطالب بالمزيد من الاصلاحات الديموقراطية في الدولة والمجتمع . وبعد عام 2007 انتهج اردوغان سياسة مغايرة , انصبت في التوجه الى الاسلام المحافظ , وبدأ نهج التضيق على الحريات العامة والخاصة , وعلى نمط الحياة المدنية الحديثة , بانشطتها المتنوعة بما فيها منع بيع الخمور , وتخلى صراحة عن علمانية الدولة , وبذلك ابتعد حلمه الكبير بالانضمام الى الاتحاد الاوربي , وضاق ذرعا بالشروط الاوربية , في ديموقراطية الحياة والمجتمع والدولة , . وتبدل الحلم الاوربي الى الحنين الى الامبراطورية العثمانية , واختيار الاسلام المحافظ المشرع لقوانين الدولة , والابتعاد عن مظاهر الحياة الحديثة والاوربية , واتباع نمط اسلامي محافظ . رغم النجاحات الاقتصادية الكبيرة , إلا ان زخم الاحتجاجات الشعبية الواسعة , والتي تدل بشكل دامغ , بان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان , فلابد ان يقترن الخبز بالحرية في سلة واحدة لا يمكن فصلهما . . ان استمرار حركة الاحتجاجات الكبيرة والواسعة بالتواصل اليومي الكثيف , تعبر في زخمها في الدفاع عن العلمانية مهما كلف الثمن , لانها الطريق السليم للتطور . . لقد بدأت الاثار السلبية تظهر بالوضوح على الاقتصاد التركي , تتمثل بالتراجع المستمر في قيمة العملة ( الليرة ) , وانخفاض في البورصة التركية والتي جاوزت الخسائر باكثر من 20% وتراجع في حركة السياحة بشكل حاد بالغاء الحجوزات , مما يذكر ان العام الماضي زار تركيا 37,7 مليون سائح , وان الموارد المالية من السياحة تعتبر من اهم موارد الدولة, وبدأ النشاط الاستثماري ينخفض بعزوف وابتعاد المستثمرين عن تشغيل اموالهم في دولة تركية . ان الخطأ الفادح والذي سيكلف الدولة التركية ثمنا باهضا ,هو غرور اردوغان وعنجهيته السياسية واصراره العنيد في تحويل تركيا الى دولة دينية , دون تخويل شعبي , , ان الاحداث التركية تدق ناقوس الخطر على الاحزاب الاسلامية الحاكمة , في محاولاتها لفرض نمط اسلامي محافظ على الدولة والمجتمع في الاجبار والاكراه. |