هل نحن أمة نقل أوْ أمة إبداع؟ أمتنا لا تنتقل , بل تنقل , وكأنها حمّالة ما ينتجه الآخرون , على ظهرها الذي إحدودب لحد الإنطواء والإنكسار الحضاري الأليم. فالناقل لا يعرف طعم ما ينقله! وتجوب مسالك الأيام العثِرة , وكل ما تنتجه البشرية محمّل على ظهرها. وما أكثر حاجاتها , لكنها لا تُعمِل العقل العلمي , ولا ترفع رايات الإبداع المعاصر لتلبيتها. تكدست على ظهرها نظريات الأمم والشعوب , وما تعلّمت كيف تسخرها وتطوّرها , وتنطلق منها وفقا لإرادة أصلها ومنبعها , وحاجات حاضرها ومستقبلها. وكأنها تتمثل وتعبّر عن القول التالي :" كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول". فكم عجيبة أمتنا! وكم عجيبة أفعالنا , وانغماسنا في التداعيات وأعمال التأسيس للخراب والدمار , وتناسي التقدم والتفكير العلمي والإعمار. أمتنا تدفن رأسها في رمال الأجداث وأنقاض الباليات , ولا تريد أن ترى أنوار الإبداع والإبتكار , وآليات التقدم والإنطلاق والتفاعل الخلاق مع الحياة. وفي حقيقة ما تقوم به وتريده , أنها تستحضر دواعي وأسباب التعادي مع الحياة , وتوفير ما يسوّغ الإنهيار والسقوط في أحواض الغابرات. وكأنها لا تعي أن الزمن يتغير , والأحوال تتبدل , ولهذا فأنها منشغلة وبإنهماك عجيب , في حل مشاكل الأموات , ولا يعنيها أمر الأحياء , فالأموات هم الأحياء , والأحياء هم الأموات , في عرفها الفعّال المؤثر , في صناعة متوالية الخيبات والإنكسارات. وربما تكره الإبداع , فلا تصدق بأنها مؤهلة للتفاعل مع عصرها , وترى في ذلك سلوكا قد لا ترضاه قيمها وأخلاقها , وما سارت عليه طوابير الأجيال المذعنة للرحيل الصامت الأبيد. وهي تنقل وتنقل , حتى صار العلم في عرفها بهتان وتضليل وعدوان على وجودها , وما فيها من خرافات الأزمان. فهل لأمة أن تكون وهي تقوم بدور "النقالة" , وترمي ما تنقله في حاويات النكران , والتبشير بالدموع والأحزان. فاسْألْ أمة منشغلة بتمزيق دينها , وتحويله إلى أديان, وذلك إبداعها وتدّعي الإيمان!!
|