صورة الحكومة في شط العرب |
على سفينة السلام التي تهادت بجمال هو الأنقى على مويجات شط العرب، محملة بثلثي أعضاء حكومة البصرة المحلية الجديدة بعد يومين من إعلان عقد الاجتماع التأسيسي الأول،ووسط حشد من الطموحات والآمال بالتغيير الذي اعلنت عنه كتلة البصرة أولاً (المواطن وحلفاؤها) التي تمكنت وبيسر من انتزاع منصب المحافظ من ائتلاف دولة القانون، كنت أتأمل في الوجوه القديمة منها والجديدة لأرسم من خلالها صورة تقريبية لمستقبل المدينة التي حظيت بتأريخ خالد جميل ولم تبن على محياها ملامح تبشر بمستقبل آمن لأبنائها . ترك قبطان سفينته تنحدر جنوباً لتمر برحلتها القصيرة اولاً على مبنى القصور الرئاسية في ضاحية البراضعية،حيث لم يظهر في الصورة سوى الصرح الذي شيّده صدام حسين والذي تناقلت الأخبار أن بعضاً منه سيكون سكنا لكبار موظفي الدولة، بتوطئة رسمية من ديوان مجلس رئاسة الوزراء حيث تلاشت أمامي صورة مبنى المتحف البصري الذي تبرعت بتمويله حكومة المملكة المتحدة البريطانية وتحدثت عنه بقوة وسائل الأعلام قبل نحو من سنتين، تلاشت الصورة في أن يكون معلماً سياحياً ترفيهياً لا حديقة عامة كالذي عملت عليه الحكومة في أيار الماضي، معلماً كالذي نراه في ضواحي اسطنبول وطهران وبيروت والقاهرة، وكلما حدّقتُ في وجوه (عليّة القوم) ازددت يأساً، ذلك لأن الكثير منهم كان مرَّ وبالسفينة نفسها على المكان ذاته ولم يعمل على التفكير به. وحين غادرت السفينة المدينة الرئاسية صارت بين ضفتي شط العرب، حيث يمتد الشط بأزله وخيلائه وتبختره وعراقته جنوبا لتمرَّ على قرى ابي الخصيب وناحية شط العرب (التنومة،الصالحية،كتيبان...) التي لم تعد نخلا وبساتين عنب وتين بعد ان غدت بلقعاً يشتري أهلوها التمر السعودي والكويتي والتونسي من الدكاكين الكثيرة التي حلت محل غابة النخل التي كانت. ساعتها رحت أنتقي من الوجوه ما يصلح للجنة الزراعية مثلا وما ينفع منهم في الموارد المائية وما له علاقة ما بالسياحة والاستثمار وسواها من الفرص التي يتيحها الساحلان الطويلان(200كلم) وهنا لم أمسك نفسي من تلاوة الآية:( ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَينِ يَنقَلِب إِلَيكَ البَصَرُ خَاسئًا وَهُوَ حَسِيرٌ )) (الملك:3-4)) يا الله ، ما الذي يحدث هنا، كانت إحداهن منقّبةً لا يبين منها سوى نصف أنفها فكرت في اللجنة التي ستكون فيها وسريعا ما غامت وتلاشت صورة النهر والمدينة والمستقبل الذي كنت أنوي التحدث عنه لأولادي. استطعت ان أرمم الصورة التي تكسرت امامي اللحظة تلك، عبر التعويل على وجود ثلاثة أو أربعة من الأعضاء في المجلس الجديد، من الذين اعرف أفكار بعضهم أو يتيح لي هندامه وشكله وحديثه رسم صورته وهو يفعل المستحيل للمدينة لكن صورة اكثر من عمامة سوداء وبيضاء ،أكثر من نقاب، أكثر من لحية طويلة وعقال وبدلة الاورزدي، السباق في المشهد هذا أصابني بالإحباط واليأس من رؤية مدينة جديدة،لأني تذكرت التجربة والتجربتين في المجلس السابق وما آلت اليه المدينة على أيدي هؤلاء،وهنا لا أقدح بأديانهم ولا مذاهبهم ولا ماضي احزابهم لكني أتحدث عن سوء إدارتهم لشؤون الناس، اتحدث عن تخلفهم وبدويتهم ومعدنتهم، عن الأزمات التي أوقعونا فيها، عن الصعوبات والمشاكل التي بات تغيير أحوالنا معها من المستحيلات فيسألني أحدهم عما إذا كان يعيش الكوسج في شط العرب ام لا !!! فأختنق يأساً . يا الله كانت العشرات من البواخر الصغيرة والكبيرة، الإيرانية والهندية والخليجية المحملة بالبضائع المستوردة تنتظر أدوارها في التفريغ بميناء المعقل،ولم يسأل أحدهم عن إمكانية إعادة تأهيل مصنع الأسمنت في أم قصر. كثيرون من اعضاء الحكومة ظلوا يلتقطون بكاميراتهم صورا لشط العرب، للنخل الميت ومئات السفن العاطلة والمهجورة على الساحل الشرقي،لكن أحداً منهم لم يتحدث عن جزيرة الداكير، التي كانت مرسى وميناءً ومعملا لتصليح السفن ، متجراً وسوقا كبيرا بناه الإنجليز، كانت سفن حنا الشيخ تقلع منه محملة بآلاف الأطنان من التمر والفاكهة والخضار إلى الخليج والهند واليمن. وأمام قصر أمير الكويت بالصالحية أخرج أحدهم كاميرته وراح يلتقط الصورة والثانية والثالثة معجباً بالرصف الجميل للطابوق، معجبا بالمسناة التي تنسرح هادئة للماء ،غير مبالٍ بقناني الماء الفارغة وأكياس البلاستيك وحفظات الأطفال وهي تطفو قبيحة ،مشوهة واجهة القصر التي تنعكس صورتها مؤلمة تبكي الزمن الباشوي الجميل الذي مضى. |