الدعايات العراقية المغرضة

 

 

 

 

 

 

كانت علاقة العرب العراقيين بالكرد منذ تأسيس الدولة العراقية غير متوازنة، بل جائرة وغير منصفة ومازالت، واذا لم تتحسن هذه العلاقة فلن يصل الاثنان الى صيغة تفاهم مشتركة واستمرارية في الحياة، نظرة العرب العراقيين بأن الكرد مجرد توابع لهم او هوامش لا لزوم لهم في الحياة المشتركة في العراق إلا بقدر ما يخدمون مصالحهم و أهدافهم السياسية، هذه النظرة القاصرة يشترك فيها العراقيون العرب بشكل عام سواء القومي منهم اوالشيعي والسني، اعتادوا دائما على ان يخاطبوا الشعب الكردي من على علٍ وتحت طرف مناخيرهم كأوصياء أو أسياد، يتكلمون نيابة عنه وعن مصالحه وما يحب ويكره «شعبنا الكردي !» وما يريده وما لا يريده وما يصلح له وما يسيء اليه، وما ينفعه وما يضره دائما وكأنه طفل صغير لم يبلغ الرشد بعد ، مع انه تعدى مرحلة الطفولة منذ فترة وبنى مجتمعا راقيا، ارقى بكثير من المجتمعات العراقية الاخرى التي تتصارع على الهوية والمذهب !، ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا اظهار تفاهته وعدم جدواه في الحياة إمعانا في اذلاله وازدرائه، حولوه الى مادة للسخرية بينهم وحذروا منه ومن غبائه، مازال احدهم يحذر الاخر عندما يريد ان يقدم على عمل سيئ ألا يكون كالكردي ؛ «لا تصير كردي» ! وكأن «الكردية» سبة في الجبين او نوعا من الوباء يجب الوقاية منه، لم يستطيعوا ان يتخلصوا من هذه النظرة المتدنية للانسان الكردي وقدراته حتى اليوم، وما زلنا نسمع نفس الشعارات القديمة المحبطة يتردد صداها في العراق من جديد منها ان «مصلحة شعبنا الكردي تكمن بالبقاء في عراق موحد قوي» وانه «لو خير بين الانفصال والبقاء في العراق لفضل العيش المشترك مع اخيه العربي» ولا ادري لماذا وكيف بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحقه من المقابر الجماعية والقصف الكيماوي؟! ومن اغرب ما نسمع اليوم ان «حكومة بغداد اكثر معرفة ودراية بمصلحة الشعب الكردي من قادته السياسيين» و«خروج الاكراد من العراق سوف يعرضهم للقحط والجوع والغزو واجتياح دول الجوار و القائمة تطول ولا تنتهي بالمصائب والويلات التي تحل عليهم لو ابتعدوا عن اخوانهم العراقيين» ودعايات مغرضة من هذا النوع والتي استطاعت الى حد ما ان تؤثر على القادة الكرد بشكل او آخر وتبث فيهم روح الانهزامية والاحباط وتحول دون اصدارهم لقرارات مصيرية، كالاعلان عن استقلال كردستان والانفصال نهائيا عن العراق في بداية تأسيس العراق الجديد عام 2003، ولا شك ان تهديد رئيس الاقليم المستمر لبغداد بالانفصال واللجوء الى الشعب لتقرير مصيره من دون ان يترجمه الى واقع ملموس، يظهر مدى تأثره بهذه الدعايات العراقية المغرضة وخضوعه لها.. واستمرت الآلة الاعلامية العراقية المضللة في تشويه الحقائق واظهرت الحالة المزرية التي يعيشها الشعب الكردي والتي تشبه العبودية الى حد التطابق، بأنها الجنة الموعودة ومساحة الحرية التي وفرتها لهم الحكومة في بغداد لا تقارن بما هي موجودة في الدول المجاورة التي يتواجد فيها الاكراد، مثل تركيا وايران وسوريا، وهذا صحيح الى حد ما ولكن ناسية ان القمع الذي تعرض له الاكراد في العراق لا يقاس ايضا بما تعرض له إخوانهم في تلك الدول.. المطالب الكردية بسيطة ولكنها مهمة ومفصلية بالنسبة إليهم، ولا غنى عنها لخلق مجتمع متوازن ومحترم واهم هذه المطالب، التكافؤ والعدالة في الحقوق والواجبات وغيرها من المطالب الطبيعية وطبعا لا يمكن الاستغناء عن اهم مطلب وهو «الحرية» التي ظل الاكراد يحاربون من اجلها لعقود.. لابد للدولة ان تلتفت الى هذا الجانب وتعطي كامل الحرية للمكونات العرقية والدينية لتقرر بنفسها نمط حياتها كما تشاء ضمن اطار العراق الواحد، وبعيدا عن كماشة الحكومة المركزية الشديدة.. والا سوف تنال حريتها وتستقل بحياتها بعيدا عن سلطة الدولة وتحكماتها..