في حديث لوزير الدفاع الكندي الأسبق " بول هيليير" (Paul Hellyer) أمام برلمان بلاده في جلسة استماع عقدت في أواخر شهر أيار 2013 وردت جملة على لسان الوزير تكلم فيها بصراحة عن حكومة الظل العالمية التي أسماها "العصبة السرية"، وقال: "إن هذه العصبة تتألف من أعضاء من ثلاث أخويات وهي: قنصل العلاقات الخارجية، واللجنة الثلاثية، واتحاد الصيرفة الدولي، والاتحاد النفطي، والأجهزة المخابراتية المختلفة، وعناصر منتخبة من الوحدة العسكرية؛ الذين سوية قد أصبحوا حكومة ظل ليس للولايات المتحدة فقط بل لبقية أجزاء العالم، إن الهدف من هذه اللعبة هو تشكيل حكومة عالمية تتألف من أعضاء عصبة سرية لم ينتخبهم أي احد واستنادا إلى المراقبين فان الخطة تسير بشكل جيد". وقد يرى البعض أن قول الوزير ليس أكثر من تهويمات دافعها التأثر بنظرية المؤامرة التي تفرضها نمطية العمل على بعض الأفراد ولاسيما العسكريين منهم أو العاملين في المجال العسكري، ولكن تحليل مكونات الأخويات التي تقود الحكومة العالمية يكاد يضع النقاط على الحروف؛ فهي تضم النخبة المهتمة بما يحدث في العالم اليوم، والأكثر قدرة على قيادة العالم من خلال السيطرة على أهم مفاصل الحياة: المال والمصارف، النفط، المخابرات، المنظومة العسكرية. وعند البحث عن كل مكون منها نجد: * ـ قنصل العلاقات الخارجية: وهو منصب شبحي يكاد صاحبه لا يظهر في صورة الحدث العالمي إلا لمما لأن وزير الخارجية هو الذي يتصدر الصورة داخل البلد والسفير يمثل الوزير في بلدان العالم الأخرى، أما القنصل العام فبالرغم من كونه اقل شأنا من الوزير والسفير ظاهرا إلا أن قنصل العلاقات الخارجية المسؤول عن علاقات أمريكا الخارجية مع جميع دول العالم، والمسؤول عادة عن القناصل العامين للولايات المتحدة في العالم كله، وهؤلاء عادة يتواجدون خارج العاصمة التي يتواجد فيها السفير بهيئته الدبلوماسية يكاد يكون حلقة الربط الأقوى في منظومة العلاقات مع العالم كله بما يؤثر على هيكلية الحكومة العالمية بشكل مباشر... * ـ اللجنة الثلاثية: مجموعة نقاش غير حكومية، غير حزبية، أسسها "ديفيد روكفلر" سنة 1973 لتعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. يبلغ عدد الأعضاء الحاليين أكثر من 390 عضوا، وتتخذ من واشنطن وباريس وطوكيو مقرات رئيسية لها. أهدافها المعلنة: • تعزيز التعاون والتبادل بين الولايات المتحدة وأوربا واليابان بما يخدم مصالحها الاقتصادية والسيادية في باقي مناطق العالم. • وضع حلول للمشاكل العالقة والناشئة بين شمال أمريكا وأوروبا واليابان. • جعلها قناة لتبادل الخبرات ووجهات النظر. • النظر إلى تطور العلاقات بين الشرق والغرب تختلف العضوية حسب ثقل الأعضاء. فشمال أمريكا ممثلة بـ120 عضوا هم 20 من كندا، 13 من المكسيك، 87 من الولايات المتحدة. وأوروبا ممثلة بـ 170 عضوا، من كل دولة في القارة تقريبا،20 من ألمانيا، 18 من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، 12 من اسبانيا، 1-6 من باقي الدول. أما آسيا واقيانوسيا ففي البداية كانت تمثلها اليابان بـ20 عضوا. إلا أن مجموعة الـ85 اليابانية توسعت سنة 2000، لتضم المجموعة الأسيوية/ المحيط الهادئ المكونة من 117 عضوا كالتالي: 75 اليابان، 11 كوريا الجنوبية، 7 أستراليا ونيوزيلندا، و15 عضو من دول مجموعة آسيان ASEAN (اندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة وتايلاند). تضم المجموعة الأسيوية/ المحيط الهادئ أيضا 9 أعضاء من الصين وهونغ كونغ وتايوان. حاليا، يوجد بالمجموعة الثلاثية أكثر من 100 عضو من منطقة المحيط الهادئ/ آسيا. وبالتالي تظهر اللجنة الثلاثية وكأنها حكومة عالمية قائمة بذاتها تم انتخابها بعيدا عن صناديق الاقتراع ولا تعلم الشعوب عنها شيئا.. * ـ اتحاد الصيرفة الدولي: منظمة غير معروفة على مستوى عالم المال والأعمال، تنافس البنك الدولي (WB) وصندوق النقد الدولي (IMF) وتضع يدها على كل المصارف العالمية الكبرى وتتحكم بسياساتها بشكل غير مباشر. الاتحاد النفطي: هو الآخر اتحاد غير معروف في عالم النفط فالعالم يعرف منظمة الدول المصدرة للبترول الأوبك (OPEC) ومنظمة الدول العربية المصدرة للبترول الأوابك (OAPEC) ومنظمات أخرى لها علاقة بالشركات النفطية وقطاعات نفطية أخرى، أما الاتحاد النفطي فهو كيان يضم نخبة العاملين في تلك المنظمات لا يرتبط بالدول المنتجة أو المصدرة أو المستوردة، وإنما يرتبط بالسياسة الدولية التي ترى السيطرة على بترول العالم وإدارته وتسويقه من قبلها مباشرة إحدى ضمانات الدولة الكونية... * ـ الأجهزة المخابراتية المختلفة: تمتاز أمريكا بوجود أجهزة مخابراتية مختلفة لكل منها مهامه وواجباته التي لا تلتقي مع واجبات الأجهزة الأخرى غالبا، وقادة هذه الأجهزة يتم اختيارهم عادة من بين صفوف النخبة وفق أسس عمل غاية في الدقة، مع إمكانيات مهولة ليس لها حدود. تلتقي أعمال هذه الأجهزة مع بعضها ففي جانب واحد وهو توفير المعلومة الدقيقة لجهة خفية على علاقة مباشرة بكل هذه الأجهزة. * ـ عناصر منتخبة من الوحدة العسكرية: في كل صنف من صنوف القوات العسكرية الأمريكية هناك ما يعرف بالنخبة وهم مجاميع ذات تدريب فريد يتم إعدادهم لفترات طويلة على مختلف ظروف العمل في كل الجغرافيات المحتملة من القطب المتجمد إلى الصحراء الحارقة، وهؤلاء هم الذين يقودون قوات النخبة في تلك الصنوف والوحدات، ومن مجموعهم يتكون جيش نخبوي لا يوجد له مثيل في العالم. وقد نجحت هذه المنظومة في تجنيد كوادر من مخابرات وعسكر الدول الأخرى ليس للتجسس على بلدانهم وإنما لإعدادهم لتولي عملية التغيير وقيادة عمل المخابرات في بلدانهم ممثلين للحكومة العالمية المرتقبة.
وتبدو الصورة وكأنك اخترت بعناية بالغة الدقة مجموعة من الموهوبين الأكثر علما وخبرة وقدرة ودراية في العالم كله وأوكلت لهم مهمة قيادة العالم في ظرف ما قد يكون قريبا جدا، وقد تم اختيار هؤلاء بحرفية بالغة الدقة لأن الأخطاء في مثل هذا العمل الجبار الذي لم يسبق وان طبق مثله في العالم حتى تلك الصغيرة منها غير مسموح بها بالمرة. ومن المؤكد أن هذه الحكومة المتكاملة المتأهبة لممارسة مهامها العولمية الكبرى لا يمكن أن تبدأ بقيادة العالم إلا بعد إعادة ترتيبه وفق أولوياتها من خلال تحديد القطاعات، ثم التعامل مع كل قطاع من منظور له مساس بطبيعة المنطقة ومجال تخصصها. ولذا تبدو صورة (الربيع العربي) حتى وإن كانت بدايته بدولة ليست نفطية مثل تونس إلا انه مؤشر على بداية إعادة ترتيب منطقتنا النفطية من خلال القضم التدريجي، ولما كانت السعودية والكويت ودول الخليج تمثل الحلقة الأقوى مورديا في هذا الكيان فإنها مرشحة فعلا لتحمل تبعات التغيير الجذري ولكن بعد أن تسهم في تمويل وترويج التحويل المنشود في باقي بلدان المنطقة؛ وهو ما نراه واضحا من خلال الدعم المالي والإعلامي واللوجستي الذي قدمته هذه الدول من قبل وتقدمه اليوم للحراك في البلدان العربية الأخرى كما يحدث في سوريا. أما إيران فقد تكون مرشحة لتمويل التغيير في آسيا قبل أن تجازف القوى الخفية في إدخال التغيير إليها. ويعني هذا أن الشعوب العربية والإسلامية تحولت إلى فئران تجارب تطبق المراحل الأشد خطورة من منهج التغيير الشامل دون حاجة إلى دعم دولي بعد أن نجح الإعلام والدعم الدولي بتضخيم النزاع وثقافة التكفير في عقولنا وحولنا إلى فئات يذبح بعضها بعضا. وفي مثل هذه الحال الميئوس منها لم يعد في أيدينا أكثر من ترديد آية وحديث، الآية هي: {مَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (سورة الإنسان:30) والحديث أخرجه الغزالي في الإحياء: "يا داود إنك تريد وأريد, وإنما يكون ما أريد, فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد, وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد, ثم لا يكون إلا ما أريد". وليس لدينا من مزيد.
|