هل يمكن الثقة برئيس الوزراء العراقي ؟

 

حين تشكلت وزارة السيد نوري المالكي الأولى في العام 2006 وجهت بتاريخ 31/5/2007 "رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس مجلس الوزراء" تمنيت فيها عليه بشكل خاص إعادة النظر بالموقف من مفهوم الديمقراطية واعتبارها أداة وفلسفة عمل في آن , إذ أنهما كل لا يتجزأ. وكانت لدي الخشية في أن حزب الدعوة الإسلامية سيتخلى بعد وصوله إلى السلطة عن ممارسة الديمقراطية اعتماداً على ثلاث ثلاث عوامل: 1. طبيعة حزب الدعوة الإسلامية الذي يسعى لإقامة دولة دينية تتناقض مع الديمقراطية من حيث المبدأ. 2. التجربة التي مر بها العراق مع حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري حث تعمقت الطائفية السياسية والصراع الطائفي والسلوك اللاديمقراطي لمضمون سياساته. 3. الحوار الفكري الذي قدمه علي الأديب في العام 2006 مع قناة الحرة وأكد فيه بجلاء تام إن حزب الدعوة وقادته يستخدمون الديمقراطية كأداة ولكنه لا يعتمدونها كفلسفة بأي حال. وهذا يعني بعبارة واضحة إنهم يمارسون الديمقراطية كأداة للوصول إلى السلطة وحين يكونوا فيها لا يمارسونها كأسلوب عمل وفلسفة ومضمون سياسي واقتصادي واجتماعي. وقد عبرت عن أملي في أن يمارس رئيس الوزراء الجديد الحياة الديمقراطية لصالح إنهاض الشعب من الهوة الكبيرة التي سقط فيها بفعل الدكتاتوريات السابقة وبفعل الحروب وعواقبها وما حصل للبلاد في أعقاب الاحتلال , إضافة إلى الفعاليات العدوانية لقوى الإرهاب والمليشيات الطائفية المسلحة والقتل على الهوية حينذاك. وقد أعطى رئيس الوزراء الحالي الانطباع في حينها بعد أن وجه ضربه للميليشيات الطائفية الإرهابية المسلحة المسلحة في البصرة , كما تمكنت الإدارة الأمريكية من تشكيل الصحوات لدعم محاربة قوى الإرهاب في المنطقة الغربية وتشكيله لقائمة دولة القانون , انطباعاً بأنه يريد أن يسير على درب غير طائفي رغم طائفية الحزب الذي يترأسه. ولكن لم يغادرني الشك بقدرة نوري المالكي على الإقدام على هذه الخطوة رغم تمنياتي له بتحقيق ما عجز عنه علاوي والجعفري قبل ذاك. إذ من يترأس حزباً إسلامياً طائفياً لا يمكن أن ينتهج سياسة مدنية وديمقراطية. من المحزن للعراق حقاً أن أشير إلى إن شكي كان في محله وبرهنت الحياة صحته. فبعد مرور سبع سنوات على وجود المالكي على رأس السلطة يُحق لنا أن نطرح السؤال التالي: هل يمكن الثقة بوعود وتصريحات السيد المالكي في ضوء ما جرى في العراق خلال السنوات السبع المنصرمة وإنه يريد الابتعاد عن الطائفية؟ جوابي عن هذا السؤال هو الآتي: لم يبرهن رئيس وزراء العراق خلال السنوات المنصرمة على أنه رجل يعي الديمقراطية ويدرك أهميتها للمجتمع ويمارسها فعلاً , بل برهن العكس من ذلك تماماً. فالأحداث التي مرت بالعراق تؤكد ذلك بجلاء ساطع , وأنه فقد آخر من كان يثق به ويدافع عنه بأمل تشجيعه على إيجاد حلول عملية للأزمة الخانقة والمستفحلة التي تواجهها الدولة والحكومة والمجتمع في آن وتهدد بعواقب وخيمة قادمة , وأقصد هنا السيد رئيس الجمهورية والاتحاد الوطني الكردستاني. حتى إن المقابلة التي أجراها الصحفي في قناة العراقية السيد علي كريم مع عضو قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني السيد عادل مراد قد قدم تقييما كبيراً لرئيس الوزراء فاق كل تصور بأمل دفعه لمعالجة المشكلات القائمة وتسويقه محلياً. ولكن وبعد مرور فترة على تلك التصريحات انبرى السيد فرياد راوندوزي , رئيس تحرير جريدة الاتحاد , قائلاً "إن محاولة رئيس الجمهورية لعقد الاجتماع الوطني تعتمد على مدى استعداد الآخرين لها ، مبيناً ، أن نجاح آي محاولة أو مبادرة لا تعتمد على من يطلقها وإنما على الآخرين الذين يقبلون بها ويجلسون على طاولة الحوار. ثم اضاف قائلاً : "أن عدم عقد الاجتماع الوطني لا يتحمل مسؤوليته رئيس الجمهورية ، وإنما الاطراف التي لم تتفاعل مع محاولات طالباني ، مشيراً الى أن الكتل التي لم تتجاوب مع المحاولات معروفة للجميع ، وكانت كل كتلة تغني على ليلاها دون التفكير بمستقبل الوطن والعملية السياسية لإنقاذ العراق. (راجع : موقع الحزب الشيوعي العراقي بتاريخ 18/11/2012 , الوكالة الإخبارية للأنباء). والجهة المقصودة هنا بشكل خاص هي ممارسات رئيس الوزراء وتصريحات العناصر الملتفة حوله سواء أكانوا من حزبه أم من قائمته , التي حاولت بكل السبل الإساءة المباشرة وغير المباشرة للدور الذي يلعبه رئيس الجمهورية وإضاعة الفرصة أمام الحوار الداخلي. السياسات التي يمارسها رئيس الوزراء وجملة من الأحداث المتلاحقة التي تواجه المجتمع تزيد من القناعة بأن الرجل لا يريد الحوار ولا يريد الوصول إلى نتائج مرضية للجميع , بل إنه يسير على طريق "درب الصد ما رد" , وأنه لا يسعى إلى التفاهم وحل المشكلات بل يتجه صوب العسكرة والتسلح وحل المشكلات عن طريق العنف والقتال وزج الجيش في القضايا الداخلية في حين أن مهمة هذا الجيش هي الحفاظ على أمن حدود البلاد. منذ أن تسلم المالكي رئاسة الوزراء للمرة الثانية والأمور تزداد تعقيداً والأزمة تستفحل أكثر فأكثر والصراعات تأخذ إبعاداً خطيرة وذات عواقب مأساوية ما لم يأخذ العقلاء على عاتقهم معالجة الموقف. إن البداية الخطيرة والأكثر سوءاً وأشرت بوضوح الدرب الذي يريد رئيس الوزراء سلوكه برزت في اتهامه للاحتجاجات والمظاهرات والتجمعات في شتاء العام 2011 بأن هؤلاء بعثيون ومعادون للدولة. وراح وعاظه يصرخون بصوت أقوى وأشد من السلطان ذاته باتهام المنددين بالفساد والإرهاب .. بالبعثية والتخريب. ثم وجه القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لضرب تلك التجمعات والإساءة لنبل مقاصد اللمتظاهرين والمحتجين. ثم تواصلت هذه السياسة حتى بلغت أوجها في انفراده بتشكيل قيادة قوات دجلة بذريعة استخدامه لصلاحياته كقائد عام للقوات المسلحة. وهذه الخطوة تجسد سعياً صارخاً لحل الأزمة والمشكلات القائمة مع إقليم كردستان بالقوة والقتال بل ربما الحرب فعلاً. إن العراق يمر بمشكلات عويصة ذات طبيعة سياسية واجتماعية وبيئية , ورئيس الوزراء لم يبذل أي جهد فعلي لمعالجة أي من تلك المشكلات , بل إن سياساته الفعلية تزيدها تعقيداً , فهو يترك البلاد تغرق في مشكلاتها , إذ المهم عنده أن يبقى على رأس مجلس الوزراء! تؤكد المعلومات المتوفرة , كما أشارت إلى ذلك منظمة اليونيسيف إلى وجود 5,3 مليون طفل عراقي لا يتمتعون بحقوقهم الأساسية. يضاف إلى ذلك وجود أكثر من مليون امرأة أرملة تعيش على اسوأ من الكفاف وتعاني من العوز. وهناك أطفال يبيعون اجسادهم لكي يساهموا في إعاشة عائلاتهم. وهناك الآلاف من العائلات التي لا تملك سقفاً يحميها من برد شتاء ولهيب الصيف. ومع ذلك قرر رئيس الوزراء سحب مبلغ قدره 20 مليار دولار أمريكي من التخصيصات المرصدة لـ "بغداد عاصمة الثقافة العربية", إضافة إلى أموال أخرى من مشاريع الإسكان لبناء دور لذوي الدخل المحدود من أجل شراء طائرات رئاسية. (راجع مقال عدنان حسين بعنوان, شناشيل طائرات رئاسية عدنان حسين المدى بتاريخ 21/11/2012). هل هناك حكومة أو رئيس حكومة يحترم شعبه ويدرك المصاعب التي يعيش فيها الناس فيوجه أموال الشعب صوب شراء طائرات رئاسية. إن شريطاً من الأحداث المتتابعة يواجه الباحث في الشأن العراقي , منها الاعتداء على قانون البنك المركزي العراقي بإقالة محافظ البنك المركزي الدكتور سنان الشبيبي وإصدار مذكرة باعتقاله في المطار لمنعه من الوصول إلى بغداد للدفاع عن نفسه , مروراً بصفقة الأسلحة الروسية التي تحوم حولها شبهات الفساد على وفق التصريحات الرسمية ببغداد , ثم إلغاء رئيس الوزراء البطاقة التموينية دون توفير شروط هذا الإلغاء للمستفيدين منها , ثم تشكيل قيادة عمليات بغداد وتحريك الآليات العسكرية الثقيلة صوب كركوك وكأنها ذاهبة لقتال الأعداء في دولة أخرى .وأشك في إننا في نهاية الأحداث المفجعة التي يمكن أن تنتظرنا بوجود نوري المالكي على رأس السلطة ببغداد. فرئيس الوزراء العراقي لا يمنحنا الثقة والطمأنينة الكافية بأن العراق لا يسير على درب المستبدين السابقين في التعامل مع القضايا الداخلية العراقية , وإنه لا يعمد إلى الحوار والتفاوض لمعالجة المشكلات القائمة ولا يستمع إلى نصيحة السيد رئيس الجمهورية أو القوى السياسية الأخرى ومنها الحزب الشيوعي العراقي والتيار الديمقراطي وبعض الشخصيات السياسية من بنية التحالف الوطني الشيعي مثل الدكتور عادل عبد المهدي والدكتور أحمد الجلبي على سبيل المثال لا الحصر. إن مخاطر تفاقم الصراع والقتال قائمة ما دام رئيس الوزراء العراقي والملتفين حوله يتصرفون بهذه الطريقة الفجة في معالجة المشكلات القائمة , وبالتالي لا بد للقوى الخيرة أن تتصرف بما يسهم في وضع حد لهذه التوجهات الخطرة وحل المشكلات القائمة بالطرق التفاوضية والسلمية. كاظم حبيب