ظاهرة التكرش العراقي !

 

طيلة الثلاثين السنة الماضية سيما أثناء وجودي في أوروبا كان أصدقائي و معارفي يشيدون برشاقتي لكوني كنت حريصا على الاحتفاظ برشاقتي ، و ذلك من خلال تناول الأطعمة الصحية و الخالية من الدهون المفرطة كالسمك و الدجاج و الأنواع العديدة و الأخرى من فصائل الخضار الغنية بالفيتامينات و البروتين ، زائدا مواظبتي على الرياضة البدنية بأنواعها المتعددة ، ناهيك عن السير اليومي و السريع لمدة ساعتين *، على الأقل ، و بإصرار متواصل سواء كان الوقت شتاءا باردا أو صيفا قائظا .
ولكن كل ذلك بات الآن في خبر كان ، بسبب إقامتي القصيرة في العراق ، حيث نما لي كرش مدّور صغير و " لطيف بديع " جدا جدا !!و كأنني امرأة بدايات حملها ّ!! وكل ذلك بحكم قلة الحركة و انعدام السير الرياضي و السريع في شوارع بغداد المخربة بأرصفتها المليئة بمطبات وكمائن و حفر مباغتة و نفايات غزيرة تصل لحد الركبة ..
طبعا إضافة إلى مفخخات وعبوات و كواتم صوت التي تترصد المرء في كل زاوية و منعطف
ففكرت بيني و بين نفسي مستغربا و مندهشا :
ـــ فماذا سيحدث لي لو قررت الإقامة الدائمة في العراق ؟! .. حتما سأملك كرشا كبير و ضخما مندلقا من مما امتلكه الآن ولأبدو ـــ فيما بعد ـــو كأنني حوت ضخم و جبار !..
غير أن ما واسني ــ و دون أن يـقنعني أو يرضيني ـــ هو رؤيتي لعراقيي الداخل و لا سيما من فصيلة الرجال ـــ هو أمتلاك أغلبهم لكروش متفاوتة الأحجام و الأنعام ، وهو الأمر الملفت للنظر حقا : فالقادم إلى بغداد أو إلى محافظات عراقية أخرى نادرا ما يرى رجلا رشيقا دون أن يكون محملا و مثقلا ب " مخدة لحمية بارزة من الأمام أو الردفين !!..
و الطريف أنهم يستعرضون هذه المخدات اللحمية عبر دشادشهم و قمصانهم الضيقة دون حرج وبكل مرح و فرج دون أن يعنيهم أمرها المحرج و المزعج و غير الصحي ..
و ما دمنا عند السمنة و الكروش فعراقيو الداخل يعانون ـــ بشكل عام ـــ من تخمة المأكولات الدسمة و لعنة الأمراض المزمنة كضغط الدم و السكر وعلل باطنية أخرى عديدة التي يسببها الإفراط بالأكل بنهم و عدم التمييز ـــ أحيانا ــ بين ما هو صحي و بين ما هو مضر بالصحة بحكم الدهنيات أو السكريات المفرطة ..
زائدا ــ وهو الأسوأ ـــ قلة الحركة و عدم ممارسة الرياضة البدنية ..
فيبدو أن الإقامة الجبرية التي تفرضها الأوضاع الأمنية المتدهورة على عراقيي الداخل تجعلهم يتسلون بالمأكولات و بالمأكولات فقط ..بعدما يرجعون من أعمالهم و يمضون معظم أوقاتهم في البيت حتى اليوم التالي ..
فيقال في هذا الصدد أن بعضا من الناس يهربون من ضجرهم نحو المأكولات الشهية و المفضلة لديهم كنوع من تسلية و تمضية الوقت ..
و نظن بأن ثمة سببا أخر يلعب دورا في الأمر ، و يرجع أما إلى انعدام و فقر الوعي و الثقافة الصحيتين و أما إلى عدم الاهتمام بهذا الأمر إطلاقا ، إلى درجة يبدو أن مجرد طرح موضوع من هذا القبيل ، يعد في نظر بعضهم ضربا من البطر ..
إذ أننا لا نتحدث هنا عن أضرار التخمة و التكرش فحسب ، و أنما عن عدم القيام بفحوصات طبية سنوية، و ذلك وقاية لأمراض محتملة أو أنها في طور التكوين و سهلة العلاج في حالة الاكتشاف المبكر..
فهذا النوع من الثقافة الصحية تكاد أن تكون شبه معدومة عند الكثير من الناس هنا..
نقول ذلك لأننا لم نلتق مع شخص و إلا يعاني من أمراض عديدة ، و غالبيتهم في سن الشباب ! ..
فكيف الأمر بالكهول و طاعني السن ؟ ..
و هنا تبدو مسئولية الحكومة ولا سيما مسئولية وزارة الصحة واضحة و ملموسة : إرشادا و ضعفا في الخدمات الصحية
و بغض النظر عن هذا و ذاك فإن المستفيد الوحيد من مصائب العراقيين الصحية هم الأطباء و أصحاب الصيدليات المكتظة بأعداد كبيرة من المرضى ، حيث تجري عملية فحصهم أو معالجتهم على حسابهم الخاص و بمبالغ كبيرة ، و من ثم حشوهم بأدوية بعضها مجهولة المصدر و التاريخ : إذ أنها أما عديمة النفع حينا أو منتهية الصلاحية حينا أخر ..
فهذا جزء أخر من مأساة العراقيين الكثيرة و العديدة .