لماذا لا يؤسس مجلس الخدمة ومجلس الأعمار |
لابد إن الكثير يستغرب من هاتين التسميتين ممن لم يعاصروا هذين المجلسين ولنبدا بمجلس الاعمار .. هو مجلس تأسس في عراق الخمسينات وتحديدا في العام 1952 بعد تدفق إيرادات النفط وتحسن الدخل الوطني كانت مهمته اقتراح وتنفيذ المشاريع التنموية في البلاد وقد يستغرب القارئ أن جل المشاريع العملاقة الموجودة في الوقت الحاضر هي من صنع وتنفيذ ذلك المجلس . فأن وجود مجلس إعمار مركزي يتم وضع أسسه القانونية والتنفيذية من قبل مجلس النواب ضمن تشريع واضح ، هو ضرورة ملحة للنهوض بالواقع العراقي المتردي. إن لمجلس الإعمار في تاريخ العراق المعاصر دور مهم فمع تحسن إيرادات العراق النفطية بعد عام 1952م. جرى تأسيس مجلس الإعمار وتعديلاته في السنوات اللاحقة ، وتركزت أهداف المجلس بالدرجة الأساس على تنمية موارد العراق ، ورفع مستوى معيشة الشعب ، ووضع منهاج تنفيذ للمشاريع المتعددة ، مع تقديم تقرير سنوي حول ما تم إعماره والمقترحات للمشاريع الجديدة. وقد تمكن هذا المجلس من إنجاز مشاريع تنموية وخدمية كبيرة لا يزال العراق يحتفظ بقسم كبير منها مثل: ( مشروع الثرثار- سدة الرمادي – جسور في الكوفة وبغداد والموصل والناصرية والسماوة والهندية وبعقوبة – مشروعي دوكان ودربندخان – معامل ومصانع للأسمنت والسكر والأسمدة والقوة الكهربائية والكبريت والنفط والغاز – إنشاء السدود والمطارات والموانئ والطرق البرية وسكك الحديد...الخ) . وقد توزعت تلك المشاريع على جميع محافظات العراق تقريبا. وكذلك مجلس الخدمة العام الذي تأسس في منتصف الستينات والذي كان ينظم التعيينات في دوائر الدولة حيث تبعث كل مؤسسة أو وزارة احتياجاتها للموظفين لهذا المجلس الذي يستقبل طلبات التعيين من الخريجين الراغبين بالعمل ويقوم مجلس الخدمة بتنسيق طلبات التعيين وتوزيعها على الوزارات والمؤسسات حسب الاحتياجات ودون تدخل من هذه الوزارات أو المؤسسات بما يضمن العدالة والقضاء على المحسوبيات ويتم بذلك وضع الرجل المناسب في المكان المناسب . لقد خصصت الآن ميزانيات ضخمة للمشاريع سواء على مستوى الحكومة والوزارات أو على مستوى المحافظات من الميزانيات العامة وميزانية تنمية الأقاليم ، إلا أن مستوى ما تم إنجازه لم يكن بمستوى الطموح الرسمي والشعبي. والأكثر من ذلك فشل بعض الجهات الرسمية في إنفاق تلك الأموال على المشاريع وإعادة الأموال إلى وزارة المالية أو القيام بتدويرها من قبل الوزارة للسنوات التالية. والأكثر من ذلك هدر الكثير من الأموال ، وبروز ظواهر سلبية من قبيل تأخر فترات الإنجاز ، وبيع المشاريع بين الشركات والمقاولات ، بالإضافة إلى ازدياد حالات الفساد المالي والإداري لدى الأجهزة الإدارية الأدنى في الدولة. ومنذ سقوط النظام البائد وحتى الوقت الحاضر ، تحاول السلطات التشريعية والتنفيذية في العراق إيجاد آليات وأسس وقوانين لإعادة إعمار العراق بعد عقود من التدهور الاقتصادي ولخدماتي ومشاريع البني التحتية ، نتيجة السياسات الشمولية السابقة ، والحروب العبثية ، والحصار الاقتصادي. غير أن أهم ما يلاحظ على تلك المحاولات التخبط في الأداء من حيث التشريعات القانونية والإجراءات التنفيذية وعبر تعدد مصادر تنفيذ المشاريع والخطط ، بالإضافة إلى تعدد مراكز العمل والمراقبة لمستوى تنفيذ المشاريع ومدى مطابقتها للمواصفات والشروط . فلقد أوجد النظام السياسي في العراق جهات متعددة غير مرتبطة فيما بينها تقوم بوظيفة التخطيط والاستثمار والعمل والمتابعة ، وهذا ما أدى إلى تلكوء في الأداء وفشل في بعض المشاريع ، بالإضافة إلى توفيرها لأجواء ومظاهر الفساد الإداري والمالي. لقد كان العامل السياسي له الدور البارز في تأخر الإعمار في العراق. فالنظام السياسي الجديد في العراق بني على أسس جعل من عملية الإعمار والخدمات أمرا ثانويا قياسا بالاهتمام بالجانب السياسي والأمني من خلال الاهتمام ببناء الهيكلية السياسية للدولة العراقية الجديدة ، والتي ما زالت متعثرة لحد الآن والتركيز على تثبيت الأمن والاستقرار وفق مفهوم تثبيت السلطة ، وعبر فكرة ، بأن لا إعمار بدون أمن واستقرار والتركيز في إدارة الخطط التنموية والمشاريع على طبقة من التنفيذيين المرتبطين بالجهات السياسية أكثر من كونهم من الكفاءات المتخصصة في تلك المجالات ، كما أن وجود مثل هذا التداخل يعني التأخر في الإجراءات التنفيذية ، وعدم وجود جهة مركزية واحدة للتخطيط والتنفيذ والمراقبة فإن الكثير من الأموال ستهدر والكثير من المشاريع لن تكتب لها النجاح التام بغياب المركزية في الأداء الإعماري والتنموي. أما آن الأوان أن يفكر مجلسنا التشريعي بإعادة مجلسي الاعمار والخدمة بأسس حديثة ومدروسة ..
|