الضمير في الميدان

 

كانت بيوت الدعارة تنتشر في منطقة الميدان الواقعة بين باب المعظم والباب الشرقي ابان خمسينيات القرن الماضي , يروي سائق تاكسي بانه في احد الايام كان يحمل راكبا من الميدان الى الباب الشرقي واثناء ذلك حاولت امرأتان ان توقفا السيارة بغية الركوب , لكن الراكب صاح بسائق التاكسي : لاتتوقف وانا اعطيك اجرتهن , فأمتثل السائق للامر , لكنه سأل الراكب عن السبب . قال له الراكب : عمي اني (قواد) والناس كلها تعرفني وهذين المرأتين يبدو انهن من عوائل شريفة , اخاف احد يراني معهن ويظن السوء بهن . حتى قواويد ايام زمان كان لهم موقف وشهامة وضمير . لقد عثرت على هذه الاقصوصة (بالصدفة)على متن احد الكتب التي لم تسنح الفرصة لقراءتها , ولشدة اعجابي بالحكاية وغزارة المعاني التي تحملها في زمن يكاد يخل من المعان , قررت نشرها على صفحتي وبثها من خلال مواقع التواصل والاجتماعي ز بعدها فوجئت وبدهشة لتواتر الاعجابات والتعليقات عليها , اذ اتفق غالبية الاصدقاء على انعدام الرقيب الذاتي(الضمير) عند سياسيين اليوم وتأصله عند السابقين سواء عند سياسيين الخمسينيات او ناسها , وذكروا امثلة كثيرة ممن توطن نفوسهم الاخلاص وانغرس في قلوبهم حب الوطن . ردود الافعال الصديقة هذه تشير الى حجم الماساة التي نعيشها, ولسنا شاعرين الا بقليلها , ما معناه نشكوا الان من ازمة (اخلاقية) تهدد المنظومة الاجتماعية والنفسية برمتها , وانعكس هذا التهديد بدوره على الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية, فأخلاقيات الاجيال تسجل تناقصا ملحوظا من جيل الى اخر, وبرغم ما يشهده العالم من قفزات في المجالات العلمية والتكنولوجيا لكن المساحات المعنوية بالمقابل تضيق وتنحسر, هل هذه ضريبة التقدم , بالتأكيد لا ,فالمناهضين للنهوض والرجعيين غالبا ما تكون هذه ذريعتهم , غير ان التشخيصات الحقيقية لهذا النكوص والتردي يمكن ان يعزى الى سياسات تجهيل وتجويع الشعوب التي من شانها احداث الانحطاط بكل تفرعاته وتجذره سلوكيات وممارسات وافعال افراد الامة . صدق من قال (من فقد مال لم يفقد شئ ومن فقد الصحة فقد بعض الشئ ومن فقد الاخلاق فقد كل شئ) والسلام على ايام زمان.