حريم السلطان.. قوارير ولكن ..!!

 

لم يسعفني ضيق وقتي للحاق في متابعة كل حلقات المسلسل التركي المثير للجدل بين اوساط الحريم ( حريم السلطان ) كما هو عنوانه العربي والذي كان قد عرضته قناة دبي الفضائية ، والان (البغدادية 2) وعنوانه التركي ( القرن العظيم ). وليت شعري اي عظمة يحاول المسلسل ترسيخها في ذهن المتلقي ... المشاهدات حصرا ، أأنجازات السلطان مسلوب الارادة عاطفيا ام فكرة كيدهن عظيم ، وهذا ما تبرزه احداث المسلسل بتفاصيلها فكل شخوصه في هوس دائب للايقاع ببعضهن فاللعب بالنار سمتهن الغالبة، تحت مسميات وذرائع واهية اسماها الحب ادناها الانا ، السلطة والهيمنة الظالمة انها الذريعة الاشد وقعا. وقد وظف الاسلوب التركي في الاخراج الجمال والانوثة وحياة الرفاهية ، سلاح المرأة الدائم، في محاولة الغلبة وهي اشبه الى حد بعيد بدس السم في قوارير العسل . فابرز النساء(هيام) اختيرت بجمال ومحيا تسر الناظرين وتثير اشمئزاز ذوي العقول من الناقدين في مقاربة من سمات الشخصية الاصل ،فالى جانب الجمال يقف الدهاء ليبرر الكذب والتحايل والاتهام ، وصراعات لا حصر لها تفضي الى القتل وازهاق ارواح الاخرين ،ذلك هو السلطان الذي لا يستقيم الا بالدماء ترياقه الدائم ،وهو جرم واي جرم يدخل المشاهد في صراع داخلي بين استحسان المظاهر وازدراء الافعال ، فهل اراد كاتب المسلسل ان يبرر كل ما يرتكب من الشائنات بان يحيطها ويغلفها ببرواز الجمال والحب .. وهما ارق سمات الوجود ، وهل يقبل المنطق الانساني الحصيف بان يكون الجمال والحب مبررا لارتكاب اقبح الافعال ..؟ فأيهما افضل الجمال البسيط الطيب ام الجمال الخلاب الخبيث؟

كلنا يعرف ان تاريخ السلطنة العثمانية في هيمنتها جاءت باسم الاسلام ، بينما حملت احداث المسلسل الكثير مما ينافي تعاليم الاسلام من مغالطات تترسب في ذهن المشاهد لتكن جزءا من مخزونه المعرفي على مدى ليس بقصير ، وحسبي ان هذا جزء من الرسالة التي يحاول قرن السلطان تمريرها .. والتغلغل الى ثقافة الاخر واستلاب قيمه السامية : حب الخير نشر الفضيلة ، والباسها لبوس : ( الانا والغيرة والحقد ، كره الانسان لاخيه الانسان ) وهي جل ما قامت عليه احداث هذه الدراما " القرن العظيم " ..

ان صراع احداث المسلسل بحبكاتها الدرامية حابسة الانفاس ، يجرنا الى الحديث الى ما هو اعم واشمل .. الى احداثيات الصراع الازلي بين الشر المحض والخير المحض ، لكنه بلون اخر يتماها فيه الطيب بين بواطن الخبيث فلا لون او ميزة لاحدهما عن الاخر ، انها المتشابهات ، صراع شعوب الشمال والجنوب ، صراع ثقافي معرفي استخدمت فيه جميع آليات الهيمنة الثقافية بكل وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة ومنها ( الفضائيات وما تعرضه من دراما) ، انه الاستعمار بحلة جديدة ، فالهدف الخفي استلاب الافكار والعقول ، صراع يقف فيه الشعب الثالث على قدم وساق في تلقي كل ما هو ثائر وغير تقليدي يتغلغل الى الافكار والمفاهيم والميول .. مزيجا بين الموروث المتعارف والجديد المدهش اللامألوف، حتى يتمخض هذا الاستلاب يوما كيومنا عن سلوكيات متقمصة من شخوص تلك المسلسلات التي يحاول العثمانيون وغيرهم ايغالها الى افكار قواريرنا ..

اخشى انا بعد هذا السيل العارم من المسلسلات التركية والاعجمية والغربية ، المدبلجة والمعربة .. ان نجد انفسنا في قمصان ليست لنا ونحمل هويات لا تمت لنا بصلة ونتكلم بلغة لم نسمعها يوما . ولن استهجن ان باب القدح سيفتح على مصراعيه لاتلقى النعوت والكدمات .. من الهائمين في محيا قوارير سليمان .. وحسبي انها وجهة نظر .