في المرتين اللتين التقيته فيهما، بدا لي محافظ بغداد الجديد النائب علي التميمي متواضعاً ومهذباً. آمل أن يحتفظ بهاتين الصفتين الحميدتين وهو ينتقل الى موقعه الجديد، فهذا هو مفتاح النجاح في مهمة صعبة كالتي سيتولاها. التواضع والتهذيب هما ما سيجعله غير متكبّر على الناس، مقبلاً على خدمتهم، وهذه هي مهمته. اما التهذيب المكمّل للتواضع فسيُكسبه احترام الآخرين، وبخاصة مرؤوسيه، ما يدفعهم الى معاونته في انجاز مهمته بنجاح. أول ما أتطلع إلى أن يفعله محافظ العاصمة عندما يباشر عمله الجديد هو تنفيذ طلب زعيم تياره السيد مقتدى الصدر برفع صوره من شوارع بغداد (حبذا لو مدّ السيد الصدر مساحة طلبه لتشمل مدن البلاد كلها)، فهذه ستكون مبادرة ونقطة انطلاق لمعالجة ما تتعرض له المدن والذوق العام من تشويه لا نظير له. لكن الأهم من هذا أنها يمكن أن تكون بداية لوضع حد لهذه الاستهانة الواسعة بمشاعر الناس من السياسيين ورجال الدين الذين يسعون إلى فرض أنفسهم فرضاً علينا إذ يصرون على ملاحقتنا ومحاصرتنا أينما نكون وحيثما نحلّ ونرتحل. في ثلاث مناسبات كتبتُ سابقاً في هذا العمود عن ظاهرة إغراق جدران المدن بصور السياسيين ورجال الدين على نحو مبالغ فيه للغاية. زملاء آخرون كتبوا في هذا الموضوع أيضاً. لم نتلكأ في القول إن صدام حسين لم يبلغ به حب نفسه أن يفعل ما يفعله السياسيون ورجال الدين في العهد الجديد بهذا النشر واسع النطاق والعشوائي لصورهم وأقوالهم غير الخالدة. ولم نتردد أيضاً في مصارحتهم بان هذه الصور والأقوال لا تحقق لهم الشعبية في الواقع ولا تجلب المحبة، وانما تزيد من نقمة الناس عليهم، خصوصاً وانهم أخفقوا إخفاقاً كبيراً في ما وعدوا به وأقسموا على تحقيقه برغم انقضاء عقد كامل من الزمن على توليهم السلطة أو تمتعهم بالنفوذ الكبير في هذه السلطة، بل انهم، كما يرى معظمنا، سبب بلوانا المتصلة والمتفاقمة. لأن أحد محافظي التيار الصدري، هو محافظ ميسان علي دواي، سجّل سابقة لنفسه ولتياره وسّن سُنّة حميدة بالتواضع والعمل المثابر والتواجد في الميدان ببدلة العمل، سنلاحق السيد التميمي متوقعين أن يحذو حذو زميله الميساني ويقتفي آثاره .. بغداد بالذات تستحق أن يتولاها محافظ وأمين عاصمة من طراز السيد دواي. وسيكون اختباراً مهماً للمحافظ الجديد في ما اذا كان سيبادر فور دخوله مكتبه الجديد الى إصدار الأمر برفع صور السيد الصدر كيما يكون مبرراً له وسهلاً عليه بعد ذلك أن يأمر بتنظيف كل الحيطان من الصور والبوسترات التي تشوه وجه عاصمتنا المتروكة للخراب والإهمال والقذارة والبؤس والكآبة.
|