كلما شعر مسؤولونا بان أكاذيبهم انفضحت .. وفشلهم وعجزهم في إدارة الدولة ومؤسساتها تعرى .. نشاهدهم يخرجون وهم يحملون سيف الاجتثاث الذي يسلّطونه على رقاب الجميع ، ربما باستثناء من يشملهم من الموالين للقائد العام للقوات المسلحة . هكذا في كل موقف انتهازي نراهم يركضون للاحتماء بتوجيه التهم للمعارضين ، لنهجهم في تدمير البلاد والتهام ونهب ثرواته انما يقعلون ذلك انسياقاً وراء أجندات خارجية ، ونصب سيرك الضحك على الناس بان في أساس مواقفهم ، رفض قانون اجتثاث " البعث ". تجار " الاجتثاث " هؤلاء ، انما يخاطبون خوف الناس وقلقهم من عودة الفوضى الأمنية .. ويتجاهلون ان بناء الدول لا يتم عبر الثأر وإنما بالاستناد إلى القانون .. فتجارب الشعوب تعلمنا ان لا اعظم من رجال المصالحات في تاريخ البلدان.. أما الثأر فهو تجارة الفاشلين . منذ سنين ونحن نعيش مسرحية قانون " الاجتثاث " الذي عُدّلَ إلى قانون المسالة والعدالة ثم أعيد إلى اسمه القديم ، ثم وجدنا من ينادي باعتبار معظم العراقيين من " العهد المباد " ويجب إبادتهم اليوم يصر البعض على ان تتعطل كل القوانين.. وأن يغلق المجلس أبوابه ونوافذه لأن البعض يريد أن يلعب بورقة قانون المساءلة والعدالة.. لان كثيرين من أعضاء المجلس مصرّون أن يعيش الناس على حافة الهاوية،. وان تظل البلاد فوق بركان يتطاير منه الشرر في كل ثانية. وأزعم أن السادة النواب " الموقرين " يعون جيدا أنهم يدخلوننا معهم كل يوم في نفق مظلم ، حين يسعون إلى حرق كل جسور التوافق والتسامح والمحبة بين العراقيين. ودعونا نتساءل بعد ما سمعناه وشاهدناه من مساجلات كوميدية داخل مجلس النواب عن أيهما أولاً قانون المساءلة أم تجريم البعث، وهل نحن مجبرون على متابعة حلقات معادة ومكررة من مسلسل ساذج ومملّ اسمه "قوافل المنسحبين من جلسات البرلمان"؟ فالكل يعرف جيدا أن نوابا ومسؤولين كبارا في الدولة ومقربين من مكتب رئيس مجلس الوزراء لم تقترب منهم جرافات الاجتثاث .. وسط كل هذا نجد الحكومة تؤدي فاصلا من الألعاب السياسية الطريفة، من عيّنة أن هيئة المساءلة والعدالة مستقلة في قراراتها ولا تخضع لأية جهة سياسية، لكنّ الهيئة نفسها تصبح غير مستقلة وظالمة لو أنها اقتربت من أحد "أحباب" المالكي!. كانت مهمة مجلس النواب أن يضمّد جراح الوطن والمواطنين فإذا به يعمّقها، وأن يوحّد العراقيين فإذا به يقسمهم ويفتتهم، ولم يلمّ الشمل، وعزّز بممارساته وقراراته وانحيازاته الحزبية الضيقة الانقسام والتشرذم، وفشل في الاحتفاظ بالشراكة الوطنية التي أصبحت أغنية مملة يرددها النواب من على شاشات الفضائيات فقط. كنا نتمنى من مجلس النواب أن يهتمّ بمناقشة قوانين تفتح باب الأمل أمام العراقيين، وأن يرمي أعضاؤه المبجّلون الماضي وراء ظهورهم وأن يكون همّهم الوحيد وجود عراق ينعم أبناؤه جميعا بالعدالة والحرية والقانون... والأهم من ذلك ، كنت أتمنى ان يناقش السادة النواب حملة اجتثاث البرلمان التي يقودها مكتب رئيس مجلس الوزراء ومحاولات تعطيل الدور التشريعي لمجلس النواب .. لكننا وجدنا انفسنا نعيش في ظل مجلس نواب يكرر تجارب "القائد الضرورة" في الحكم ويصرّ أعضاؤه على مسلسل الثأر من ماضي العراقيين. اللعب هنا على احتياجات الناس وخوفها ، سلاح يجب ان يحرّم لأنه يوجه إمكانات الدولة في الاتجاه الخطأ، وهو ينتج مؤسسات بلا خبرات لان أصحابها يتوهمون انهم منتخبون ومطلوب من الناس ان تهتف بحياتهم ليل نهار . من منا يتذكر اليوم اسم الرجل الذي قرر ان يُودِع زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا السجن، الذي ظل لوحده الحاضر الوحيد سواء وهو في السلطة أو خارجها، سجيناً وحراً، يملأ المدن الكبرى بسلوكه العفوي، والملايين التي ترنو بأنظارها اليوم الى المستشفى الذي يرقد فيه ، تشعر بان مانديلا انتقم لهم بتسامحه وطيبته، وهذه الملايين اليوم لا تطيق ان ترى الرجل الأسطورة يهزمه المرض وترفض ان تصدق ان المرض يمكن ان يتجرأ ويقترب من إنسان قال في لحظة حرجة من تاريخ بلاده: " نحن لا ننسى الظلم.. لكننا نريد ان نعلم العالم التسامح، لم يوزع ثروات بلاده بين مقربيه.. لم يتستر على فاسد.. ولم يضطهد أصحاب الكفاءات لكنه قال لهم في لحظة صدق : " عليكم أن تتذكروا أن المختلفين معكم هم في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، فدمجهم ومصالحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم انه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائياً، ثم ان لهم الحق في التعبير عن أنفسهم، وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات النظام السياسي الجديد "..المصالحة الحقيقة هي البديل عن الفوضى الزاحفة على البلاد ولا اعني المصالحة المخدوشة التي صدع رؤوسنا بها عامر الخزاعي، صاحب براءة الاختراع الشهيرة "المصالحة المستدامة". |