المرجعية بين الشيعة والسُنّة

 

 

 

 

 

 

( المقال لذوي الإختصاص فقط )
نقصد بالمرجعية في مقالنا هذا المرجعية السياسية وليست الدينية , ولكن بما أن الدينية هي السائدة وهي الأساس , التي تتحكم بمصائرنا وحياتنا اليومية , لذا سنتوقف عندها قليلا , قبل الإنتقال إلى الحديث عن موضوعنا الأصل .
الفارق بين الشيعي والسُنّي جد بسيط , فيما يتعلق بالسلوك والممارسات اليومية والحياتية . فالشيعي يرى ضرورة تقليد الحي من المراجع الدينية في كل أفعاله وتصرفاته , بغض النظر عن مدى التزامه الديني , أو امتثاله لأحكام الشرع الحنيف , فقد يكون أبعد الناس عن الدين والأخلاق والقيم , ولكن ثقافته البيئية والاجتماعية رسخّت في ذهنه وعقله الباطن بأن الله غفور رحيم , ومن الممكن أن يغفر له ( جلّ وعلا ) يوم القيامة سائر أفعاله السيئة والمحرمات التي ارتكبها في حياته , ما دام مواليا لأهل البيت ( عليهم السلام ) .. ولهذا كله يشرعن ممارساته وسلوكياته للفوز بالآخرة .
أما السُنّي فهو لا يقلّد مرجعا حيّا بذاته , إنما يعتنق أحد المذاهب الإسلامية الأربعة ويلتزم بأحكامها وفتاوى علمائها , وإن استعصت عليه مسألة , وأراد أن يعرف حكمها الشرعي يستفتي أو يسأل أي أحد من علماء الدين السُنّة , فيرشده أو يدلّه على حكمها . وإذا كان متمسكا بمذهبه متعبدا بأحكام وآراء إمامه , سأل العالِم السُنّي عن الحكم الشرعي في مذهبه تحديدا , لا في بقية المذاهب الإسلامية , أو بحث عن عالِم في مذهبه حصراً , اعتقادا منه لإبراء ذمته أمام الله ( سبحانه وتعالى ) وإلقائها برقبة إمامه .
قلنا إن الفارق جد بسيط بين أتباع الطائفتين , لكن المترتب على هذا الفارق هو المعّقد وهو المُشكِل . فالشيعي بعودته إلى مرجعه لم يكتفِ بسؤاله عن العبادات والطقوس الدينية , لا بل ولا بالمعاملات التجارية اليومية التي يجريها , وهي تجري واقعا وممارسة وفقا لأحكام القانون الوضعي النافذ في العراق , أعني وفقا لأحكام القانون المدني وباقي القوانين , من بيوع وشراء وإيجارات ورهون ووكالات وسائر العقود الأخرى , إنما يعود إليه بالسياسة وممارسات الحكم أيضا , وهنا تكمن الكارثة والمأساة .
بينما السُنّي لا يعود إلى مرجعه الديني في حالة الإستفتاء السياسي إلاّ في حالة واحدة فقط , وهي إذا احتاج إلى غطاء ديني لممارساته السياسية , إما لإضفاء الشرعية على حكمه , أو خداعا للناس , أو تبريراً للحكم وممارساته , أو حتى تماشياً مع ثقافة دينية سائدة في المجتمع . وإذا لم تكن هناك أي حالة من هذه الحالات , أو حاجة لاستخدامها , ظل يمارس السياسة ويحكم بعيدا عن الدين والغطاء الديني .
لكل منهج من هذين المنهجين محاسنه ومساوئه , ولا يعتقدنّ أحد بأن أحد هذين المنهجين يحتوي على المحاسن دون المساوىء , أو يقتصر على المساوىء دون المحاسن , فذلك ظلم وإساءة بحقهما معاً . وإذا كان من محاسن المنهج الأول , بأن المعيار الديني المتمثل بتحقيق العدالة والمساواة هو الذي يتحكم في ميزان المرجعية , فإن مساوىء هذا المنهج مدمرة على صعيد سياسي واجتماعي , والتي منها :



أولاً : فقدان الولاء
وفقا لهذا المنهج يكون ولاء المقلِّد للمقلَّد ( للمرجع ) وليس للوطن ولا للشعب . وهذه نقطة مهمة وخطيرة , ربما لا يعيها البعض ولا يدرك مخاطرها , فهو يظن بأن المرجع هو الحامي وهو الصائن له ولدينه , بينما الحقيقة هي خلاف ذلك تماما , فالمرجع إنسان مثلك , يطمح حينما تؤول إليه المرجعية إلى أن يوطّد مرجعيته ويعززها , من خلال الأموال والعقارات , ولهذا فإن كل مرجع من المراجع يعود بعد وفاة مَنْ سبقه إلى نقطة الصفر , ويبدأ منها , وليس من حيث انتهى سابقه , بحيث يرثه في كل إداراته ومكاتبه .
بينما لو كان المتحكم بنا هو المرجعية وليس المرجع , وفقا للنظام المؤسساتي الذي يكفل ويضمن للمرجع مكانته ومدارسه ومؤسساته وأمواله , لما كانت هناك أي خطورة تُذكر , ذلك على غرار الأزهر الشريف , أو الفاتيكان . وقد رأينا في السنوات العشر الماضية إستيلاءات ومصادرات لأراضي وأموال ومواقع ومناصب حكومية عراقية بإسم المراجع , ما كان المفروض أن تحصل مطلقا , ولعل السكوت عنها شعبيا يعتبر جريمة يرتكبها العراقيون بحق أنفسهم , وسوف يدركون مستقبلا خطأ سكوتهم عليها .. ولكن لاتَ ساعةَ مندمِ . ان الاستمرار في الولاء للأشخاص وليس للشعب ولا للوطن سوف يدمر العراق وشعبه , وما علينا هنا إلاّ التنويه والتحذير منها .

ثانياً : البراءة
يحاول الشيعي المقلِّد في سائر أفعاله التي يستفتي فيها مرجعه , أن يُبرّأ نفسه من تبعاتها أمام الله والمجتمع , فيلقيها في عاتق مرجعه ويخرج هو منها سالما كما يظن خطأً , وهناك مقولة شعبية دارجة يستخدمها هؤلاء , وهي : ذبها بركبة عالِم واخلص منها .
إذا كان هذا الشخص يعتقد في نفسه بأنه يستطيع إستغفال واستغباء المجتمع والضحك عليه , فإنه لا يستطيع إستغفال البارىء ( تبارك وتعالى ), وبالتالي ولا الضحك عليه , وهو الذي يحول بين المرء وقلبه , فلذا سوف يحاسبه ( جلّت عظمته ) حسابا عسيرا , بل لا يستطيع حتى النصب والإحتيال على المرجع نفسه , الذي يمنحه غطاءً مقابل الهيمنة عليه وقيادته ما دام حيّاً .
إن التبرأ من الأفعال والأقوال وإلقائها على عاتق الغير , يعني التهرّب من المسؤولية , يعني الجُبُن والخوار , يعني عدم الإيمان والثقة بالأفعال والأقوال , كل تلك تدلل على تفاهة وضآلة ووضاعة ممارسها . ولذا فمثل هؤلاء الناس سيّما الذين أصبحوا يرددون بأنهم إنما يعملون في دوائر الدولة ومؤسساتها بموجَب التكليف الشرعي , وليس بموجَب الواجب الوظيفي .. هذه الثقافة التي اجتاحت مجتمعنا العراقي منذ 2003م وإلى اليوم لهي ثقافة مدمرة فتّاكة . والغريب إنها تعشعش في أوساط النُخَب والمثقفين وأصحاب الشهادات والمهن الراقية !

أما المنهج الثاني فمن محاسنه انه يبعد الدين عن الممارسة السياسية , التي هي في الأصل بعيدة عن الدين ولا علاقة لها به , وعليه فإنه لا يلصق المساوىء والسلبيات من الممارسات السياسية بالدين , فيكون الدين منها براء ويبقى على نصاعته وطهارته من دون أن يتلوث أو يتسخ بالسياسة .
بيد أن هناك ملاحظة لا يجوز القفز عليها من دون التوقف عندها , وهي إن ثمة رجال دين من أهل السُنّة كانوا دوماً وأبداً في خدمة الحكم , ويبررون له سياساته وإن كان الحكم علمانياً وليس دينياً , واليهم نعزو جزءاً من الكوارث والمآسي التي حلّت في بلدنا العراق . ولعل من مساوىء هذا المنهج :

أولاً : الظلم
الظلم كصفة ملاصقة للإنسان وهو من شيم النفوس , لا يقتصر على طائفة أو ملة أو قومية , ولكنه يكبر ويتضخم في نفس الحاكم حينما لا يكون هناك رادع يردعه , أو مانع يمنعه . ولعل الدين ومبادىء الإسلام الحنيف والمعاني الإنسانية - وليس المتطرفة – التي حملها معه هي خير رادع لهذا الحاكم عن إرتكاب المحرمات والموبقات , فما بالك ما سيفعل هذا الحاكم حينما لا يكون متقيّدا بدين ولا بأخلاق ولا بقيم ؟!
الظلم والاستهتار بالقيم والأخلاق هي التي تجرُّ الحاكم وتسوقه نحو الديكتاتورية والتهوّر والتعدي على كرامات الناس وحقوقهم , نحو الفرعنة والاستبداد والتسلّط .

ثانياً : الولاء للحكم
يكون المبدأ الذي يتقاتل من أجله الحكّام وفقا لهذا المنهج هو الولاء للحكم , وليس للوطن ( لن نذكر الشعب هنا لأنه لا وجود له في عُرفهم ) الذي طالما تبجح الكثيرون منهم بالولاء له والقتال من أجله والدفاع عنه .. وما إلى آخره من إدعاءات ومزاعم .
الوطن هنا يملي عليك , وأنت غير الملتزم بالدين ولا العائد إليه مستفتياً عند الشدائد والملمات , أن تساوي بين مواطنيه وأن لا تميّز بينهم في المناصب والتعيينات , وأن لا تقسّم الناس إلى فئات ودرجات . بينما درجت الشواهد والوقائع التاريخية إلى ممارسة فاضحة وعلنية من قبل الحكّام لهذه المعاني الممجوجة والمستهجنة من قبل الأسوياء من بني البشر .
كل الضحايا والدماء التي نزفت جرّاء المؤامرات والإنقلابات والثورات التي وقعت , تمت وفق هذا النهج , فكانت صراعا على الحكم والفوز بالكرسي , وليس من أجل شعب يسحق وفي سبيل وطن يدمّر ويتعرض إلى مخاطر .. من هنا ننتقل في الحديث إلى المرجعية السياسية .

المرجعية السياسية لدى الشيعة :

لم تكن هناك على مرِّ التاريخ أية مرجعية سياسية مستقلة للشيعة العراقيين , ولم تتبلور هكذا مرجعية مطلقا , بالرغم من قيام دول شيعية في العالم خلال التاريخ , ولهذا لم تنشأ ثوابت , إنما كل الذي كان يحصل هو إن الشيعة ساروا على ثابت واحد فقط , هو ثابت المعارضة , سواء حين يكونون بالمعارضة أم بالحكم . وهم كانوا حين يؤسسون دولتهم يعودون إلى المرجعية الدينية لتسيّرها , أو ليغلّفوا حكمهم بغلاف ديني ليفوزوا كما يظنون وهماً بالدنيا والآخرة .
سنضرب مثلا قريبا وآخر أقرب منه . فبعد ثورة العشرين في القرن الماضي , تذكر مس بيل في تاريخها عن العراق , فتقول بأن رأيهم كبريطانيين كان بالضد من تسليم الشيعة حكم العراق , لأن الحكومة كان سيشكلها بالتأكيد المرجع الديني , والمقصود طبعا – حينذاك - الشيخ محمد تقي الشيرازي ( ره ) المفتي ضد الإنكليز , وهذا ما لم تسمح به بريطانيا وقتذاك .
حقيقة إن على الإنسان أن يتأمل مدى دقة التشخيص وحصافة الرأي وصدقيّة التوّقع والبعد الإستراتيجي لدى البريطانيين يومئذ , وليس هذا مديحا لهم , ولا ذما لغيرهم , فالطرفان لا يحتاجان إلى ذلك , بقدر ما هو واقع حدث وجرى , والأعمى هو مَنْ يغلق عينيه أمامه . فنحن نتحدث قبل نحو قرن من الزمان , يوم لم تكن هناك أية طبقة سياسية شيعية عراقية متمرسة بالسياسة , إنما جاء البريطانيون على أنقاض بلد ( العراق ) عاش لقرون في التخلّف والإنحطاط والإستعباد , وكان رجل الدين هو المهيمن والمسيطر على القرار السياسي في البلد .
بعد نحو ثمانين عاما على تلك الرؤية وذلك التشخيص , ثمانين عاما من المعارضة السياسية ( السريّة والعلنية ) وتراكم الخبرة والممارسة السياسية , يشكّل المرجع الأعلى في النجف الأشرف الحكومة في بغداد بعد 2003 م , أو يشرف على تشكيلها , ويدعو لانتخاب قائمة محددة , ويرشّح أشخاصا للحكم يمسكون مواقع حسّاسة فيه .. كل ذلك حصل بعد سقوط نظام صدّام حسين عام 2003 م خلال مسيرة ما يسمى بالعملية السياسية للأسف .

نعم حصلت ومضات وطفرات حكم لشخصيات شيعية خلال بعض الفترات التاريخية , لكنهم لم يستطيعوا أن يقدّموا لنا تجربة حقيقية مكتملة لحكمهم , أو رؤية إستراتيجية , على الرغم من محاولة بعضهم ذلك , لكنهم لم يُوَفَقوا إلى مسعاهم خذ خلال العهد الملكي مثلا , ربما لأسباب عدة لا مجال لسردها الآن . ولهذا لم يكن هناك أي تراكم لخبرة أو تجربة معتبرة لحكم سياسي شيعي غير ديني .
إن الشيعة العراقيين اليوم تائهون سياسياً , ليس لديهم مرجعية سياسية مستقلة عن الدين , وإن قادتهم السياسيين المحسوبين عليهم ظلما , هم من الذين يتصدرون الواجهة السياسية في العراق عبارة عن مجاميع من الطارئين والمتطفلين على السياسة , هم مجاميع من المتسلّقين على أكتاف البسطاء والمساكين والمُعدَمين , لا تملك تاريخا مشرّفا , لا على صعيد فكري ولا ثقافي ولا إجتماعي , فضلاَ عن السياسي طبعا . جلُّ تاريخهم يتمثل في التبعية لرجال الدين وللدول والأجهزة السريّة الخارجية . ليس لديهم أية رؤية لبناء دولة , أوإشاعة التعايش السلمي بين أبناء المجتمع الواحد .
ليس الغرض من هذا التوصيف توجيه الإهانة والإساءة لأحد , أو التنكيل بهذه المجاميع بقدر ما نشخّص واقعا مُرّاً , ولمن لديه الدليل النافي , أو المغاير عليه أن يقدمه لنا , كي نخضع له , وبالتالي نغيّر وجهة نظرنا في هذا الشأن تحديدا .
لهذا كله فإن أمام الشيعة مسير طويل للوصول إلى المرجعية السياسية المتحررة من المرجعية الدينية .. ذلك يوم يتحرر السياسي الحقيقي ( وليس الطارىء ) والمواطن الشيعي العادي , يوم يتحررا من تسلّط رجل الدين عليهما , ويتركا ويتبرءآ من الخزعبلات والترهات والبِدَع والضلالات المنسوبة إلى الدين زيفاً وكذباً وبهتانا .

المرجعية السياسية لدى أهل السُنّة :

الوضع لدى أهل السُنّة يختلف بعض الشيء عند الشيعة , فهم كانوا يمتلكون مرجعية سياسية على مرِّ التاريخ , لكنها مرجعية خالية من الثوابت , باستثناء ثابت الحكم , إذ يتلخص كل همِّ السياسي السني في الوصول إلى الحكم بأي ثمن , من دون أن يقدّم للآخرين نهجاً سياسياً , أو ثابتاً إنسانياً يسير عليه الآخرون من بعده . من دون أن يقدّم نظاماً سياسياً مستقراً ومعتبراً من شأنه أن يمنع الآخرين من التجاوز عليه , أو عدم احترامه .
لقد قدّم الانكليز الحكم في العراق لرجالات من أهل السُنّة شبعت خدمة للدولة العثمانية عام 1920 م , مستغلين إنكفاء الشيعة على أنفسهم , وقدموا لهم قانونا أساسياً ( الدستور ) سيّر رجال الحكم طوال العهد الملكي , وهم يتقاسمون الغنيمة فيما بينهم , من استيلاء على أراضٍ وممتلكات ( أحتفظ بأمانة عبارة عن كتاب لعبد الكريم الأزري وزير المالية في العهد الملكي , لو نُشِرَ لأثار إنقلابا فكرياً وتأريخياً عن النظرة المحترمة للعهد الملكي , لما احتواه من تحديد حصص رؤساء الوزارات والمتنفذين في المملكة العراقية من إقطاعيات البلد المنكوب وسرقته ) الأمر الذي حصل بشكل متطابق ومكرر لرجالات الشيعة ممن شبعوا خدمة لايران , يوم سلمتهم الولايات المتحدة الأميركية حكم العراق بعد 2003 م , وصنعت لهم دستوراً ملفقاً تقاسموا فيه السلطة والثروة لهذا البلد اليتيم .
وبعد انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958 م وتوالي الانقلابات في المسرح العراقي , لم يستطع رجال الدولة من أهل السُنّة أن يصيغوا دستورا يحكم العراق بعدالة وديمقراطية طوال 45 سنة من العهد الجمهوري . كان كل واحد من رجال الانقلاب السُنّة يريد تفصيل الدستور على مقاساته , ولهذا فشلوا ولم ينجحوا .
كانت مرجعية أهل السُنّة السياسية مرجعية غير مستقرة , مرجعية متذبذبة تلعب بها العواصف السياسية المتقلبة , لم تعطها الفرصة الكافية لصياغتها والسير عليها . لم يكن يجمع أهل السُنّة العراقيين جامع سوى الحكم , الذي لم يستفِد منه عموم أهل السُنّة , إنما استفادت منه النخب المتسلطة , أو المرتبطة بها فقط , وهو تماما ما يحصل اليوم مع عموم الشيعة , الذين لم يستفيدوا من مَنْ نسميهم تجاوزاً على الحقيقة والتاريخ بنخبهم السياسية , وهم في حقيقتهم نفاياتهم السياسية إن جازت التسمية .
كانت مرجعية أهل السُنّة السياسية أشبه ما تكون بالمرجعية التوريطية , ورّطت أبناءها في جريرة جرائم لم يرتكبوها هم , إنما ارتكبها مَنْ اعتلى صهوة الحكم بإسمهم , ولهذا لم تتكون لدى السُنّة طبقة سياسية بمعزل عن الحكم , كي تتصدى اليوم للوضع السياسي العراقي , كما إن مَنْ كان محسوباً على النظام السابق لا يستطيع أن يكون زعيماً سياسياً لأهل السُنّة في العراق اليوم .
نريد أن نقول بأن أهل السُنّة اليوم تائهون يعبث بمصيرهم وبمقدراتهم السياسية تجّار وسرّاق وتافهون - حالهم حال الشيعة - وكل يوم نبز منهم , أو برز شخصية وصار يتحدث بإسمهم , ويدّعي حرصه على أبناء طائفته , وهو في حقيقته وواقعه لا يستطيع أن يتحدث بإسمه هو وعائلته الأقرب إليه , فكيف بأسماء الآخرين ؟!

ما هو الحل :
إذا كان الأمر كما زعمنا وادعينا , فما هو الحل ؟
الجواب : نحن أما خيارين فقط لا ثالث لهما . الأول : خيار بناء المرجعية السياسية الطائفية الرصينة الخاصة بالطائفة , والبعيدة عن التراكم التاريخي والمسيرة المشينة , إنما نحن أمام بناء جديد يقوم على أسس وركائز جديدة تضبط أداء العمل السياسي لكل الأطراف , ويحترم كل طرف فيه الآخر .
ربما يستطيع أحدنا أن يستعير المثل اللبناني , على اعتبار انه استقر منذ فترة ليست بالقصيرة على صيغة محددة وواضحة . ودورنا هنا أن ننصح بأن هذا النموذج فيه من السوء الشيء الكثير , وخاصة الولاء للخارج من قبل الطوائف , وتحديدا نتحدث عن الولاء السُنّي للسعودية والشيعي لايران والمسيحي لفرنسا والدرزي المتقلّب كتقلبات وليد بيك .. وهكذا .
الثاني : خيار بناء المرجعية السياسية الوطنية , غير الطائفية وغير العنصرية , وهذا هو الخيار الأصح , ولكن يحتاج منّا إلى مقال لا يقلّ عن هذا طولا وعرضا .