الرئيسة البرازيلية "ديلما روسيف" سعيدة بالتظاهرات التي تعم البلاد، فقد خرجت على مواطنيها الذين ملأوا الشوارع والساحات، يهتفون ضد الدولة لأنها زادت أجور النقل العام.. لتقول لهم: "انني فخورة بكم لأنكم فتحتم أعيننا على ما كنا لا نراه، وانا ادعم مطالبكم، وأوعدكم ان الحكومة ستعمل المستحيل على تلبيتها.. أنا فرحة جدا وسعيدة لأنكم شعب حي وتحبون بلدكم". لو سألت أي مواطن عراقي عن فرحة رئيسة البرازيل، لأن المواطنين هاجموا سياساتها وقراراتها، فقد يموت قهرا، أو ضحكا، لكنه في النهاية سيعتبر ان السيدة الرئيسة مصابة بتخلف عقلي.. فالمواطن اعتاد ان يسمع نوري المالكي يصف معظم المتظاهرين بانهم مجرد فقاعات، تتلقى امولاً نتنة من دول مارقة، لا تريد الخير للعراق، ويتذكر ايضاً ان السيد رئيس مجلس الوزراء، سبق ان وصف متظاهري شباط عام 2011 بانهم حفنة من الإرهابيين. خطاب رئيسة البرازيل يبدو للمواطن العراقي غريب وعجيب، لانه يدخل في خانة المستحيلات، فنحن نعيش في ظل مسؤولين مصابين بداء الزعامة، يحلمون بان يستيقظوا فيجدوا انفسهم وقد صاروا مثل "أباطرة روما"، الكل يتحدث عن الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون، لكنه لا يفرق بين إدارة دولة وافتتاح "دكان"، ويعتقد أن الوجه "العبوس والمتجهم" هو الذي يبني اقتصادا قويا ونظاما اجتماعيا متماسكا. المواطن البرازيلي الذي خرج يحتج، يعيش مطمئنا، لأن قادته و في سنوات معدودة رفعوا دخل البلاد إلى مئات من المليارات، من يصدق ان دولة بحجم البرازيل كانت حتى عام 1999 تعاني من نقص في السيولة، يتجاوز حجم مخزونها النقدي اليوم مئات المليارات من الدولارات.. الأرقام تنعكس على حياة الناس وأمنهم واستقرارهم، لتجعلهم يشعرون بأن هذه البلاد صار لها دور ومكانة حقيقية في هذا العالم. شجاعة وجرأة تحسب لمسؤول، حين يظهر على الملأ ليخطئ المنهج الذي خطته حكومته، حتى وان كانت الأخطاء خارج حدود قدرته، الهدف من ذلك كله هو أن تشعر البلاد أنها تسير في الطريق الصحيح، وان سياسة الحاكم تصب في خدمة الازدهار والتطور، والأهم خدمة الناس جميعا، وان المسؤول عليه أن يتصرف بمسؤولية كاملة حتى مع الأزمات البسيطة. اما نحن نعيش مع مسؤولين اتفقوا على طريقة واحدة فى الحكم، طريقة أهل الثقة، أو أهل الطاعة الذين يدينون بالولاء للحاكم.. استقالت الدولة من وظيفتها الاجتماعية، وتصاعدت لعبة استغلال الدين والطائفة والعشيرة. لنجد مسؤولينا يعيدوننا الى الوراء وبأدوات ديمقراطية.. ليتحول الحاكم من موظف الى "رب للعائلة" أو"مختار للعصر".. ما أسهل أن تدغدغ مشاعر البسطاء من الناس بالأحلام، وما أسهل أن يصدقوك، لكن ما أصعب أن تنجو من ثمن عدم تحقيقك لأحلامهم، عندما تحين ساعة حسابهم لك، ستجد نفسك وجها لوجه مع ثمار الفشل والكذب والانتهازية، كان هذا الدرس الذي تعلمه قادة البرازيل من تجارب سابقة، فاختاروا أن يقدموا للناس منجزات لا وعودا. بالأمس أشاوس دولة القانون شمروا عن سواعدهم وسخروا من حكام البرازيل، بل ان احدهم خرج علينا ليصف تجارب هذه البلدان ويقصد تركيا والبرازيل بانها تجارب فاشلة، وان حكامها اعداء للديمقراطية، على حد تصريح كوميدي للنائب عزت الشابندر. الحرب العالمية التي يخوضها نشطاء دولة القانون ضد اردوغان والبرازيل، والتي تقودها كائنات حزبية منقرضة، ذكرتني بحرب شبيهة لايزال يقود لوائها النائب محمد الصيهود ضد أوباما حين حذره امس قائلا:"لا أوباما ولا غيره له حق التدخل في شؤون سوريا وفرض نظام جديد عليها" ولم ينس الأخ الصيهود ان يعتبر أوباما طائفيا لانه حسب "ظنونه" يريد أقصاء الشيعة.. طبعا النائب الصيهود لم يهدد بقطع يد أوباما، ولكنه مثل عباس البياتي اعتبر ان زمن الإمبريالية الأمريكية، قد ولى، وبالتأكيد لم يشرح لنا الأخوة البياتي والصيهود عن اية إمبريالية يتحدثون، فأوباما ورفاقه هم أصحاب الفضل في ان يجلس سادتنا الأشاوس على كراسي السلطة. انظر إلى رئيسة البرازيل وهي تتحدث بفرح عن تظاهرات بلادها، وانظر إلى وجوه مسؤولينا، فأجدها باهتة تفتقد الرؤية والقدرة على الهام مجتمعهم، ساسة نشعر بالحسرة كل يوم على وجودهم بيننا، ونرفع أيدينا إلى الله داعين: اللهم امنح ساستنا ابتسامة شبيهة بابتسامة "ديلما روسيف".. تدفع صاحبها للعمل بعقل مفتوح.. وندعوك اللهم ان تبعد عنا الوجوه المكفهرة، التي أوصلت مهنة السياسة إلى أسفل سافلين. |