من له أذنان سامعتان فليسمع |
الأعظمية هذه المدينة التي كانت وما تزال تنشر ظفائرها مع خيوط الشمس على نخيل وأشجار الكاظمية .. الاعظمية هذه اللوحة البغدادية التي تتكدس الأحزان في قلبها وتسيل العذوبة من شفتيها ... هنا نرى ونجد ما يعكر الأجواء ويمزق الأفئدة من مشاهد تستدر الدموع وترمينا في دائرة الذهول والآلام والدهشة والاستغراب عندما تنشد عيوننا إلى صور ومناظر تفطر القلوب وتكدس في نفوسنا أكداس الحزن والفجعية واليأس .. في الاعظمية بيت بائس متهالك حزين والذي يحكي ملحمة مأساوية نسجها القدر المحتوم عجوز تعيسة منكوبة معذبة حبيسة الفواجع ورهينة العذابات والمنغصات والدموع فلا شيء في الوجود يريحها ويسعدها سوى المقبرة التي استودعت فيها ولدها الشاب الشهيد عثمان الذي وهب العراق والإنسانية أغلى ما عنده ـ وهب حياته التي أجاد بها لينقذ العشرات من الزائرين للإمام الكاظم عليه السلام من الغرق والموت الحتمي في مياه دجلة . انه شاب كان فرعا وغصنا لأولئك الذين كتبوا الوفاء والتضحية والتاريخ الإنساني على الطين ووضعوه في أروقة الزمن الوجداني . إن هذه الأم المنكودة التي تفترش بساط البكاء والتوجع أجد أي تعبير وأي وصف عاجز عن وصف حالتها المتردية والمزرية فقد أطفأت كل الاضوية أمامها وقد سلخت أطياف الابتسامة من شفتيها وأظلمت كل الأنوار والمباهج أمامها وكل كنوز الدنيا لا تعوض عن فقدان ريحانة وجودها فتراكمت على كاهلها المتعب المنهوك تلال المصاعب والمصائب والماسي المتوالدة والمتلاحقة . ومما زاد الطين بلة والقلب علة أن المقادير وسوء الحظ لم يكتفي مما أصابها من كوارث ممزقة بل أكمل مسلسل الفواجع بمرض زوجها كمدا على استشهاد ولده عثمان فأصبحت حياتها مرة مريرة لم تحصد منها غير البؤس والشقاء وفقدان فلذات القلوب ومعاناة المرض المزمن ولسان حالها يقول : |