بعد 10 سنوات العراق بلا قيادة !

 

أثار انتباهي عنوان احد الكتب السياسية المهمة للباحث الإسلامي عادل رؤوف وكان عنوانه المثير للانتباه (عراق بلا قيادة) قراءة في أزمة القيادة الإسلامية الشيعية في العراق الحديث. وإذ أقتبس هذا العنوان وأنا لست بصدد عرض مضمون هذا الكتاب على أهميته ولكنني اقتبسته كونه يعبر عما أريد أن أتحدث به عن العراق بعد 10 سنوات عجاف من سقوط النظام .

هذه الأيام يستذكر الساسة وأصحاب الاختصاصات المختلفة ووسائل الإعلام وعامة الناس ما تحقق للعراقيين من مكاسب اقتصادية وديمقراطية واجتماعية منذ سقوط ما أطلقنا عليه الصنم في 9 نيسان 2003 ، فأن مشاعر الناس بل الإحصاءات والأرقام الرسمية الصادرة من الجهات العراقية والمنظمات الدولية تؤشر لحقائق مرعبة تؤكد أن الكثير من الناس تنازل عن كل الأحلام والأمنيات والرغبات في الرخاء والحرية وأصبح يأمل بالحد الأدنى من الحياة الطبيعية والاستقرار المتوفر في أقصى (الغابات الاستوائية والأفريقية) .

ان غياب الرخاء وسد الرمق عن ملايين العراقيين يعد كارثة عظمى لأنهم يعيشون في أغنى بلد نفطي ولكنهم ضمن التصنيف العالمي يعيشون تحت خط الفقر ، وبرغم أنهم أبناء حضارة عريقة الا أنهم الآن في أدنى مستويات التخلف والجهل والبطالة والتسرب من المدارس والجامعات والإيمان بالخرافات وتناول المخدرات. في الوقت الذي تحتضن أرض العراق كل المقدسات لكن شعبه يعاني انتهاكا لأغلب المحرمات التي تمارسها قوى الإرهاب والمافيات التي تحتمي بالبرلمان والأحزاب وكأنها لا تعترف بالحكومة والقانون بل لا تخاف حتى من الله ، وبعض الأحزاب يرفع الشعارات الوطنية طوال العام ويرددها على مدى 24 ساعة وهي أول من ينتهكها ويدنسها.

وهذا العراق بعد 10 سنوات أنفقت فيه المليارات من خزينة الشعب العراقي ومليارات أخرى من دافعي الضرائب الأمريكان والبلدان المتعددة الجنسية كلها عجزت عن توفير الأمن وإعمار العراق وتدفق الكهرباء لأنها وبصراحة ذهبت جميعها إلى جيوب الفاسدين والمفسدين وهذا ليس سرا فبعضهم هم من كبار الشخصيات الدينية والعلمانية.

وماذا بعد من منجزاتنا خلال هذه السنوات ملايين من الأرامل والأيتام مع غياب شبه كامل للمؤسسات الخدمية والإنسانية، وظهور الآلاف من منظمات المجتمع المدني التي فاق عددها ما يوجد في أوربا وأمريكا .. لكنها لم تستطع إن تزرع كلمة طيبة واحدة في عقول المجرمين والمختلسين والمنافقين أو تنجح بإعادة طالب واحد إلى مدرسته أو تدفع البعض من المسلحين برمي السلاح والبدء بالحوار معهم بل العكس أصبح المنطق السائد الآن إن الإرهابيين حققوا ما يريدون بإرهاب الناس وإرهاب الحكومة نفسها .

فصار على المفكرين والمثقفين والصحفيين إن يستسلموا للأمر الواقع بان الحكومة والبرلمان وحتى الأحزاب التي تدعي أنها جاءت لنشر الحرية و الديمقراطية والرفاهية إنما هي معاضل كبرى وغير قابلة للتنفيذ وإنها مجرد كلمات في مهب الريح .

ولعل أخطر ما حصدناه في هذه السنوات إننا ما زلنا نخاف من أصحاب الكروش العفنة التي سرقت أموال العراق وأنشأت المليشيات التي تحميها بالمال السحت الحرام وأصبحنا نخاطر بأنفسنا ونحن نسلط الضوء والحقيقة على أشباه الرجال من ( أبطال ) الفساد السياسي والمالي والإداري .ترى كم سنة نحتاج من الوقت لتنتصر الحرية وتتلاشى المليشيات وتنتهي ظاهرة الصحوات والمحاصصات والقضاء على الفاسدين ويعم الأمن والأمان والجواب هو إن هذا الزمن يتحدد في ذات الوقت الذي يعترف الناس بأن العراق قد وجد له قيادة ورجال دولة ينتمون للعراق وليس لامتيازات كرسي العراق ، ويضربون بيد من حديد كل من تسول نفسه العبث بالقانون سواء كان زيدا أو عمر . وبدون ذلك ستضيع السنين بل قل القرون وأنت لا تبالغ .