علمانيون على خط الشحن الطائفي

 

 يبقى متوقعاً أن يدفع (رجال دين) باتجاه الشحن الطائفي الذي يتنامى بشكل خطير في منطقتنا. الكثير من هؤلاء لهم مصالحهم وارتباطاتهم التي تسمح لضمائرهم بالركون جانباً لينطلق بعدها سيل من فتاوى وخطب وتعليقات لن يكون لها من ثمن سوى دماء بشر وخراب بيوت وتحطم بلدان وتمزق خرائط.
لكن مقياساً آخر، غير هؤلاء الرجال، يؤكد أن ما يجري لم يعد مجرد خلافات ذات طابع انفعالي راديكالي بين متشددين من هذا الطرف وذاك، كما يفترض.. المقياس الآخر، غير رجال الدين المذكورين، هم جوقة كتاب وجهات، ممن يحسبون على العلمانيين، على خط الشحن الطائفي والانجرار إلى لغة تشاتم وتنابز يجري معها تصوير الشر كله وإلصاقه بطرف، وبشكل مفضوح لم تعد تحسب معه أية مراعاة لنتائج ذلك على الجمهور المتوتر.
في الأيام الأخيرة  قرأت ما لا يقل عن أربع مقالات لكتّاب حرصوا طيلة سنوات على تقديم أنفسهم كعلمانيين وقريبين من نمط التفكير الليبرالي، لكن ها هي نُذُر الشحن الطائفي تطيح بالادعاءات جانباً وتمزق الهوية العلمانية لصالح الظهور بالصورة الطائفية التي تقتضيها المرحلة والتي هي مصدر أرزاق أكيدة ولكن وسخة لمن يتورط بها.
كان مقال جمال خاشقجي هو الأكثر تطرفا في التعبير عن تورط كاتب باشاعة قيم الشحن الطائفي والتكاره بين الناس في منطقة تتنوع فيها المذاهب وتزداد الفرص التي يتحول فيها التنوع إلى محنة.
خاشقجي الذي عادةً ما يتحدث بلسان العارف يأخذ في مقاله دور زرقاء اليمامة، حسب توصيف لأحد الكتاب،  لينذر قومه / طائفته عبر (كابوس ثقيل)، هكذا هو من يسميه ولست أنا، ولأنه عارف فهو يضع مخططاً بديلاً لكابوسه يدفع بموجبه بلده السعودية لتكون البادئة بحرب تدعمها أميركا ثم ينضم إليها آخرون..
كاتب آخر معروف بكونه أكثر تعقلاً من خاشقجي.. عبدالرحمن الراشد الذي يظهر بمقال يريد به أن يحذر من فتنة لا تنطفئ وستستمر لعشرات السنين، لكن سير المقال بوجهة واحدة لا يحيد عنها تجعل منه هو الآخر يكرس نفسه لنذر حرب طائفية يطمح إليها متشددون مستهترون.
هناك حسين شبكشي هو الآخر يتحدث (عن سرطان حزب الله الذي ينهش بالفتنة الطائفية جسد المنطقة).. لا بأس هو رأي، لكن رؤية هذا (المفكر)، كما يريد أن تقدمه الصحافة ، تتوقف عند لحظة تدخل حزب الله، ويعصب عينيه عما سبق الحزب من تدخلات، بينما الأوسخ في مقال شبكشي هو الدعوة لمعاقبة لبنان أو ارغامه للاندفاع باتجاه الاحتراب، حين يقول لولاة الأمر الخليجي: (لبنان بأسره يجب ان يتحمل ضريبه السكوت عن قبول فصيل ارهابي يحكمه).
وفي لبنان العلماني نفسه لم يكن الحال بأفضل من هذا، فصحيفة مثل المستقبل التي حرصت دائما على تقديم نفسها على أنها العلمانية الأنأى عن المذهبية تنشر في الصفحة الأولى لأحد اعدادها الأخيرة مقال رأي ينضح بالكراهية الطائفية حيث يبدأ هكذا: (عشرون سنة قضيتها من عمري في الضاحية الجنوبية لبيروت. اليوم حان وقت الرحيل.لن أنظر الى أجمل أيام طفولتي، لن أتذكر علي وحسين وبتول وفاطمة ولا كرة القدم التي كنا نلعبها تحت المنزل) ويختتم هكذا: (اليوم نغادر ولن ننظر إلى الوراء.. وداعاً الضاحية لا مأسوفاً عليك!).
إما علمانيو الطرف الأخير، فأسمع بينهم من يقول متألماً: لا ينبغي أن نبقى وحدنا من يتصدى للمتشددين من جانبنا بينما (عقلاء) الطرف الآخر ساكتون عن متشدديهم وهم يدفعون الأمور بمنحى  وحده الله العارف بما ستؤول الأمور عنده.