لو لاحظنا عمل الكنّاسين البغداديين لاكتشفنا أغرب عملية كنس في العالم على الإطلاق ، حتى يبدو المشهد ، نقصد مشهد عملية الكنس في أغلب شوارع بغداد ، و كأنه مشهد من مسرحية كوميدية مضحكة فعلا لطرافتها و طابعها الهزلي : فطريقة و " تقنية " الكنّاس البغدادي في عملية التكنيس و التنظيف تقوم على كنس محاذاة الرصيف فقط ، و ذلك من جهة الشارع فقط !! ، حيث تمرق السيارات المنطلقة ، و كنسه شكليا من التراب القليل الذي ينثره تيار قوة الدفع لإطارات السيارات المنطلقة ، ثم يجمع الكناس ذلك التراب القليل و يضعه في مجرفة موجودة لهذه الغاية بقرب منه ، ولكن سرعان ما يتطاير ذلك التراب القليل من المجرفة مجددا على أثر اندفاع و دوامة لتيار الهوائي ، يحدث ذلك بعد كل موجات انطلاقة سيارات مقبلة و مسرعة فيتراكم بعض التراب !! ، فيأخذ الكناس بجمعه مجددا ، ولكن في هذه المرة بشكل أقل حماسا و جدية ، ومن ثم يمضي ليواصل عملية كنس و جمع التراب على طول الرصيف .. و على هذا المنوال ... بطبيعة الحال ، دون أن يغير ذلك " الجهد المبذول " من قبل الكنّاس من حقيقة كون الرصيف يبقى متسخا و حافلا بالنفايات و الزبالات ، وليس فقط لكون التراب يرجع مجددا متجمعا عند محاذاة الرصيف ، و إنما ( و هذا الأعجب الأغرب في هذا الأمر ) أن الكنّاس البغدادي لا يعير أهمية لنفايات و زبالات أخرى متكدسة عند الرصيف و حواليه من قنان ماء و علب مشروبات وبقايا أنقاض و نفايات أخرى و مختلفة من خرق بالية و أكياس ممزقة ، أنما يتركها على حالها و كأنما موصى عليه أمرا لكي لا ينظفها إطلاقا !!.. كأنما كنوع من إصرار عجيب على بقاء أرصفة بغداد حافلة و مكتظة بالزبالات و النفايات و القاذورات .. وهو الأمر الذي يبدو عصيا على فهمنا ولا نجد له مبررا أو سببا ، إذ يفترض بالكناس أن يكنس و يلتقط ـــ ضمن نطاق و مكان عمله ـــ كل ما موجود من نفايات و زبالات على الرصيف ومحيطه و يضعها في العربة المخصصة أو الحاوية الموجودة لهذه الغاية ولا يكتفي بكنس التراب فقط .. بل يجب التركيز على هذه النفايات والزبالات بالدرجة الأولى و رفعها و تنظيف الرصيف ومحيطه منها ، لكونها هي بارزة و بادية للعيان ، ناهيك عن روائحها النتنة و الكريهة .. أما التراب الموجود عند محاذاة الرصيف فأن التيار الهوائي المندفع من جراء سرعة السيارات المنطقة هو كفيل بكنسه وتطيره في الهواء ورميه بعيدا .. بعيدا .. و إنصافا للحقيقة فأن هؤلاء الكناسين يعملون بجد و مثابرة و تحت شمس قائظة و محرقة ، غير إن ثمة " مسئولين " يشرفون على " شغل " هؤلاء الكنّاسين ، و هذا يعني بأن هؤلاء الكناسين يقومون بعملهم وفقا لتوجيهات هؤلاء المشرفين العباقرة على صعيد كنس التراب فقط !!.. عموما و اختصارا : نحن إزاء ابتكار عراقي جديد لكنس وهمي أو عبثي .. *يبقى أن نقول بأنه في الدول المتقدمة يستعينون بسيارات مخصصة مهمتها تقتصر على تشفيط التراب الموجود عند محاذاة الرصيف وداخل الشارع و كذلك أشياء أخرى التي تقع في طريقها و تعقب ذلك سيارة لرش الماء غسلا للرصيف و الشارع في آن واحد ..
|