ضاحي خلفان والعريفي

 

كريمة وطريفة هي الدعوة التي أعلنها ضاحي خلفان ، قائد شرطة دبي ، حين أبدى استعداده لتوفير طائرة خاصة تنقل محمد العريفي إلى سوريا كي يجاهد وينفذ فتواه الموجهة للشباب.  نعم ، أعجبتني الدعوة حتى أنها بدت خفيفة على معدتي في وقت خُيّل لي أنها قد تجعل من معدة العريفي مرجلا يغلي بـ(إسهال) لا ينفع معه أي دواء فيما لو نُفّذتْ به قسرا . ارتباطا بهذه الدعوة وخيالاتها المضحكة ، فإنَّ أحدَ الأصدقاء حدّثني ، قبل أيام ، عن مشاهدته لفيلم في اليوتيوب عن انتحاريٍّ يجلس في سيارة وإلى جانبه معلمٌ يدربه على كيفية التفجير. كان الفيلم دعائيا فجّا ، لكنَّ تعليق صديقي عليه جعلني أفطس من الضحك . لقد قال - تمنيت كون واحد يلزمه ـ يعني المعلم ـ ويقول له اليوم أنت راح تفجّر السيارة ! ثم قال صاحبي بطريقة أهل الأعظمية - داد محمد والله يصير عنده إسهال رأسن ! الحقّ إنني ضحكت وتذكرت تلك النكتة التي شاعت في الثمانينيات ، يقال أن صدام زار إعدادية يوما فضجَّ الطلبة بالهتافات : ودونه للجبهة نقاتل ..ودونه بالجبهة نقاتل . فقال لهم المدير أن ذلك لا يجوز كونهم ما زالوا طلبة . فأصرَّ الشبّان أكثر وأكثر بعد أن أخذتهم هيستيريا (اللواكه) . وهنا أشار صدام للمرافقين أن يحضروا سيارات لنقلهم إلى الجبهات . ثم صعدوا وسارت بهم الضعائن للمجهول ، وما هي إلّا هنيهة حتى هتفوا - رجعونه نتشاقه وإياكم !الأمر أسهلُ من شرب الماء ؛ تدّعي شيئا أنت لا تفعله عادة ، فإذا ما أجبرت عليه ، اصفرّ وجهك وزاغت عيناك هلعا . الأمر لا يتعلق بدعاة الفتنة من ذوي الوجوه المتورّدة والخدود المليانة دمّا ، فهؤلاء مرتزقة محترفون ، يأكلون بآيات الله أموال الفقراء ويغررون بالفتيان كي يذهبوا بهم إلى التهلكة. الأمر لا يتعلق بهؤلاء حسب ، فقريبا منهم ، ثمة كثيرٌ من الصحفيين والكتّاب والساسة الذين ما إن تسمعهم وهم يغرّدون بالمبادئ والقيم حتى تخجل من نفسك وتقول ـ مالي لا أكون مثلهم ! لكنك إذ تتأمل حالهم وتعرف عنهم ما خفي عن الآخرين ، تغضب وتقول ـ قاتلكم الله أيّها الدجّالون المشعوذون ، يا أصحابي القدامى الذين تجلسون في شرفاتكم الآمنة وتدعون الناس للانتفاض والخروج في الثورات! أحدهم ، ودعوني من ذكر اسمه ، عاد إلى العراق بعد سقوط صدام ممنيا نفسه بالحصول على امتياز يوازي (نضاله) في المنفى . ثم ما أن شاع القتل والخطف والتفجيرات حتى (شلع) في ليلة لا نجوم فيها . عاد إلى شرفته الآمنة ليواصل من هناك دعوته الآخرين أن يكونوا (وطنيين) لا طائفيين ، و(ثوريين) لا خانعين. صار صاحبنا يطلّ عبر مقالات في الصحف ، وفي صفحته الفيسبوكية المنتفضة على الأوضاع لـ(يعنّف) هذا و(يعلّمُ) ذاك كيف يقول ـ (كلا) للطغيان ! بينما هو (طفر) طفرة الذين مضوا من قبله والذين سيفعلونها بعده . لقد فعلوها ، وربما نحن أيضا سنفعلها ، ذلك أن الخوف من الموت شرعيٌ تماما و(يمشّي) البطن ، ولا يعترض عليه إلّا المجانين . لكنّ ما هو غير شرعيٍّ أن نستعير دور إبليس فنعلّم أبناءنا الصلاة بينما نحن لا نصلي !  نقول لهم ـ ثوروا ، بينما نحن جالسين على شاطئ نشرب الويسكي . نقول لهم ـ اكتبوا بلا خوف ، في وقت نحن نرتعب إذا مرت طائرتنا بأجواء العراق ! أي والله ، أنا مثل ضاحي خلفان ، لو كان بيدي لأحضرتُ كلَّ هؤلاء المزايدين والردّاحين الذين يفتون للموت ولألقيتُ بهم في (ريف دمشق) كي يقاتلوا. ثم لاستدرتُ إلى جماعتنا المقيمين في المنافي القريبة والبعيدة ولملأت بهم شاحنة من نوع (زيل) ، ثم لذهبتُ بهم إلى الرمادي وألقيتهم وسط الاعتصام كي ينوّروا الناسَ بمعاني الوطنية التي جسّدوها ومخاطر الطائفية التي تخلصوا منها. لألقيتهم هناك وقلت لهم ـ كلوها فإنها المجد بعينه ، وتذوقوها فهي الكرامة والعزة .. وعزة العزاكم على ازدواجيتكم يا أصحاب !