انتهى سباق عرب آيدل منتصف ليل السبت 22 – 6 – 2013 م بفوز الفلسطيني محمد عسّاف , وأُسدِل الستار على عَلَمَيْنِ وشّحا مسرح أم بي سي ون البيروتي .. العَلَم الفلسطيني وعَلَم كردستان , وإذا كان الأول قد توّشح به الفائز باللقب ومَنْ معه , فإن الثاني انفردت به برواز آيدل , وهو اللقب الذي تستحقه فعلاً .. هذا هو المشهد الذي سيبقى عالقاً بالأذهان ما بقينا على قيد الحياة . لا شك في أن عسّاف كان يستحق اللقب بجدارة ويليق به الفوز , وهو منذ إطلالته الاولى ملأ مكانه وشغل المسرح والجمهور وأطرب لجنة التحكيم . لم يمُّنَّ أحد على الشاب الفلسطيني بالفوز , والقرار كان صائباً ويستحقه فعلاً .. ولكن مَنْ يريد إقناعنا بأنه فاز لحصوله على أعلى نسبة من التصويت , فإنه على وهم كبير , ولا يملك دليلاً على قوله , ذلك لأن القناة التلفزيونية نفسها لم تعلن للملأ عن نِسَب التصويت ولا أرقام , فمن أين عرف الزاعم والمدعي المُفتَرَض فوز المتسابق بهذه الطريقة ؟ ثم إننا أمام متنافس آخر يستند إلى شعب قوامه 84 مليون نسمة , عُرِفَ عنه طوال تاريخه تعصبه لأبنائه حقاً أو باطلاً , أعني به المتسابق المصري أحمد جمال فكيف كان سيسمح المصريون لفلسطيني بالفوز عليه ؟! لن ندخل في جدل لعبة الأرقام والتأويلات , من قبيل إن العرب مجتمعين سينحازون إلى الفلسطيني , وبالتالي سيصوتون له على حساب المصري , إنما ندخل في صلب الموضوع مباشرة لنقول : بأن كل ما رأيناه من مشاهد واستعراضات تحمل بين طيّاتها أبعاداً سياسية واضحة . فالبرنامج الفني الإستعراضي يأتي في ظل أجواء سياسية داكنة تخيِّم على العالَم العربي , وصل من خلالها أدعياء الإسلام المزيّفون إلى الحكم في البلدان العربية , وراحوا يصادرون كل بهجة وفرحة وأمل وسرور في نفوس الجماهير العربية قاطبة - والشابة منها على وجه الخصوص - من سينما ومسرح وفن وغناء وأدب , ويشيعون ثقافة التخلّف والتردي والتراجع والإنحطاط , المنسوبة ظلما إلى الإسلام , ثقافة الوصاية والقوامة والإنابة والوكالة القسرية بالنيابة عن الآخرين دون إرادتهم وبالضد من رغباتهم وتطلعاتهم ! أرادت أم بي سي وهي القناة الفضائية العربية الاولى والأقدم من بين كل القنوات , تلك القناة التي تأسست وانطلقت عام 1990م لأغراض نقل وقائع حرب الخليج الثانية عام 1991م إلى العالم , والحديث عن هزيمة العراق في الحرب وانتحار قواته على طريق الموت , تلك القناة التي تخصصت بنقل مشاهد الرعب والدمار والحروب , أرادت من خلال مجموعة قنواتها المستحدثة والمتنوعة أن تنقلنا إلى النقيض من تلك المشاهد , إلى مشاهد مفعمة بالحياة والأُنس والمتعة والطرب . وفي مشروع تجاري واضح , صرفت عليه المحطة الملايين , من دعوات وديكورات وإقامات وتصوير ورحلات وبرامج ترفيهية وما إلى ذلك , ودرَّ عليها الملايين من دعايات وتكاليف إتصالات لأغراض التصويت وغيرها , قسّمت العالَم العربي وشعوبه إلى قسمين رئيسين : عرب آيدل وعرب بايدن ( مشروع التقسيم والحروب وتسلّط الموتورين ) . وفقاً لهذا التقسيم لابدّ أن يتوشح مسرح بيروت بعلم كردستان تعرضه برواز آيدل , وليس علم العراق , وأنى لهذا الأخير أن يكون له حضور في مخطط بايدن ؟! لم يغطِّ علم كردستان شاشات أم بي سي إعتباطاً , إنما لكي يُعرَض بهذه الصورة كان قد مرَّ بمراحل طويلة من التهيئة والجهود والأموال التي صُرِفت في سبيله . منذ إستقلال كردستان العراق السياسي عن المركز وانفرادها بالقرار الكردي والتنمية بالإقليم , وتحديداً منذ عام 1992م , ثم ترّسخ الاستقلال عام 2003م وكردستان تحثُّ الخطى نحو البناء والتنمية وتحقيق الرفاهية وتأسيس البُنى التحتية . وما أن هيأت فنادقها ومطاراتها ومسارحها وسينماتها ومولاتها ونواديها وحدائقها , فضلا عن الأمن والأمان اللذين يُطْبِقان على الإقليم , حتى إنفتحت على توجيه الدعوات لكبار الفنانين والمطربين العرب وغيرهم , ليقيموا حفلاتهم على أرضها , ويعرضوا مسرحياتهم وفعالياتهم ونشاطاتهم . صارت كردستان موئلا ً لسائر الطامحين من المشهورين العرب ليتواجدوا فيها ويستعرضوا ما عندهم , بل لسائر المستثمرين من التجّار وأصحاب رؤوس الأموال , ليؤسسوا مشاريعهم فيها . كانوا في كل زياراتهم إليها تستقبلهم أعلى القيادات السياسية الكردية ومسؤولو حكومة الإقليم , ليعرضوا عليهم ضماناتهم وخدماتهم .. وبالتالي وجد هؤلاء القادمون إلى كردستان مَنْ يستمع إليهم ويلّبي طلباتهم . بينما النقيض تماما في بغداد , لا بُنى تحتية لا مسارح لا سينمات لا نوادي لا حدائق لا فنادق لا مطار محترم لا مول , وبعد هذا كله لا أمن ولا أمان . فمَنْ يأتي للعراق اذاً ؟ ومَنْ يزوره ؟ ومَنْ يُقيم نشاطاً فيه ؟ لا بل مَنْ يستقبلهم ؟ ومَنْ يرعاهم ؟ ومَنْ يقدّم الضمانات والحماية لهم ؟ الجواب بكل بساطة : لا أحد ! لقد ترشّح لعرب آيدل متسابقان عراقيان ومتسابقة كردستانية . لم يسأل أحد عن المتسابقَيْن العراقيَيْن , ولم يحظيا بالرعاية والإهتمام من قبل الحكومة العراقية , ولم تتبرع لهما بفتح خطوط التصويت المجانية لدعمهما , ولم تقل الحكومة كلمة بحقهما , ولم تكلّف أحداً بالحضور نيابة عنها في مسرح عرب آيدل لتشجيعهما .. إننا في الوقت الذي نواسي فيه متسابقينا العراقيين , نهنىء من كل قلوبنا برواز آيدل لحصولها على هذا اللقب الفخري . نعم برواز تستحق هذا اللقب الفخري , لأنها حظيت بدعم غير محدود من قبل حكومة إقليمها واللجنة المحكِّمة . زارها نائب رئيس وزراء الإقليم إلى مسرح أم بي سي وحضر يصفّق لها ويشجعها , وهتفت أحلام بإسم كردستان مراتِ ومرات , وكررتها نانسي عجرم , وصفّق لكردستان العراق راغب علامة , وحيّا الجمهور العربي الحاضر في المسرح برواز آيدل وكردستان العراق . فتح الرئيس مسعود برزاني خطوط كورك للتصويت مجاناً لبرواز آيدل . لم يقتصر الأمر عليها في معرض المقارنة مع موقف حكومتنا العتيد من مرشحَيْ العراق , إنما تعداه إلى موقف الرئيس اللبناني ميشيل سليمان من مرشح لبنان زياد خوري , فكتب رئيسه على صفحته في تويتر مشجعا إبنه على مواصلة السباق وداعياً شعبه لمساندته .. وهكذا الأمر مع محمد عسّاف الذي لم يفارقه رئيسه محمود عباس لحظة , بل إن قرار قبوله إستقالة رئيس حكومته لم يعلنه في يوم فوز عسّاف كي لا يُفسد فرحة الشعب الفلسطيني بفوز إبنهم المتسابق , هذا ناهيك عن تكريمه إياه الجواز الدبلوماسي ومنحه لقب السفير .. وما إلى ذلك من مزايا ومخصصات . ليس مسموحاً للعراقيين في أعراف سياسيي زمن الغفلة , من أدعياء التديّن المصطنع الكاذب إشاعة ثقافة الحياة .. ثقافة الفرح والسرور والبهجة في نفوس العراقيين , ليس مسموحاً رسم خطوط البسمة على شفاه العراقيين والعراقيات , إنما المسموح به هو إشاعة ثقافة الموت .. ثقافة الأشباح , ثقافة البكاء والصراخ والعويل , ثقافة النحيب والكبت والألم وتعذيب الذات والنفس والروح ثقافة الإذلال والحرمان والإمتهان . أما بالنسبة لاولئك المتأثرين بهذه الثقافة والمرددين لها كببغاوات بغباء واضح , سينهالون بالشتم والرفض لثقافة الغرب والولايات المتحدة ( وطبعاً الصهيونية العالمية كملح وبهار ) المقتصرة على الردح والرقص والهز والغناء , والتي ينقلها إلى بلداننا بعض المتأثرين بها .. هؤلاء المساكين البؤساء سيعربون لنا عن قدرة فائقة وإمكانية فذة لديهم في تعرية عملاء الغرب والإستعمار , وأحاديث الحُرمة والكراهة في الغناء . هؤلاء ( إخطية ) نحن نتعاطف معهم , ونمسح على رؤوسهم كونهم يتامى ثقافة ممسوخة , ونربِّتُ على أكتافهم , بالرغم من أنهم قتلة يستبيحون دماء وأعراض وأموال الناس بإسم الدين , لكننا نلفتُ نظرهم إلى الموضوع الأهم , ألا وهو ليس الغناء والإستعراضات والطرب الأصيل , إنما موضوع الإهتمام بعرب بايدن المتمثل بتقسيم الدول ورفع أعلام الأقاليم وتسليط الأضواء على أبناء الأقليات , بدلاً من كل السياسة القديمة , التي كانت ترفرف فيها رايات الدول القومية الموّحدة .. صحيح نحن في زمن عرب آيدل , ولكننا أيضاً في زمن عرب بايدن ! |