الفلسطينيُ الفائز في برنامج "عرب آيدول" كان يتحدث أمس في مؤتمر صحافي عن مسابقة تلفزيون أم بي سي، وعن حُلمِه في أن يكون الفوز فيها سبباً لوحدةٍ بين الفلسطينيين.
لكن الصورة، وفي المؤتمر الصحافي، بدت غير مركبة. كأنها مقتطعة من مشهدين متناقضين، من زمنين مختلفين. الملتحون من حركة "حماس" يحرسون المكان، وحياة عسّاف.
أبناء المقاومة الإسلامية يصفقون لكل حرف ينطق به، وهو المغني.
غرة أمس في احتفال غير مسبوق. الآلاف في الشوارع ينتظرون مرور محمد عسّاف. وصوره، وهو يحمل مكبر الصوت ويغني، تغطي أعلام الحركة، وشعارات المقاومة الإسلامية.
عسّاف كان ساعة إعلان فوزه ينتقل على المسرح من حضنٍ إلى آخر، ولما وصلت إليه نانسي، كان التصفيق حاراً في غزة، كما أظهر النقل المباشر، وبعض الذين قفزوا في المقاهي، ملتحون.
عسّاف يمر، والناس يصفقون. يهتفون باسمه، كما لو أن غزة تخلصت من حصارها.
عسّاف يتفوه في المؤتمر الصحافي بحب عن الوحدة الفلسطينية، وفي خلفه رجال المقاومة الإسلامية، الملتحون، يصفقون.
محطات التلفزيون كانت سعيدة. غزة يصبح لها رمز وطني. ربما سيكون مقاوماً بالغناء.
المقاومة بالغناء. لعل وعسى!
وفي الأخبار يتجمع الناس على سيارة تقل عسّاف إلى مخيم خان يونس، مسقط رأسه، والآلاف من أهله يغنون له.
خان يونس يغني، وعسّاف في المؤتمر الصحافي يرجو قادة فلسطين المصالحة، ووقف الخلاف. وفي جوراه رجال المقاومة الإسلامية، الملتحون، يلوحون بعلامة النصر.
هل يتعلم الناس النصر بالموسيقى. يا الله
غزة لم يكن لديها رمز. أو أن أحدهم قال لنا، في زمن مضطرب ومن مكان أشد اضطراباً وتشابكاً، إنه رمزها. وكأنّ القبعات الخضر، ورايات "المقاومة" تقنعك بأن الرمز في حماس شيء مهول، يسيطر على حياة الناس، ويصنع قيمهم اليومية. لكن هل ظهر أن فكرة المقاومة الفلسطينية تزيدهم عزلة.
عسّاف يستحق التحية والإعجاب، في الأقل لديه صوت مميز وقوي، سوى أن الهيجان في غزة مناسبة ليتعرف سكان المدينة على رمزهم، وربما فراغ الحياة وخلوها من الرمز خلال الحصار.
هنا نقول: هل هو حصار حماس؟ أم حصار الإسرائيليين؟
أي الحصارين سيكسر عسّاف.
عسّاف يكسر الحصار. يا ليت.
لكنه، وفي المؤتمر الصحافي، كان فخوراً بأن فوزه جعل العالم العربي يدخل غزة في يوم واحد، وفي جواره رجال المقاومة الإسلامية، الملتحون.
عسّاف.. أرجوك لا تفتح قناة اليوتيوب لتشاهد فضل شاكر هذه الأيام.
* * *
ما معنى الرمز؟ وكيف يكون الشيء رمزاً؟ بل كيف للفرد أن يؤمن برمز؟
أحياناً يصبح الرمز مخيفاً؟ والحال أن التفكير فيه يشبه البحث عن مصدر إضافي لانتاج دكتاتوريات ناعمة وصغيرة، تستتر بالمعرفة، والحب، والوطن، والمقاومة.