ألاسباب الحقيقية التي تقف وراء موجة ألاحتجاجات ألاخيرة ضد حكومة العدالة والتنمية في تركيا |
بعد العام 2002 تحديدا فان تركيا أصبحت قوة اقتصادية كبرى وأصبح نظامها السياسي ونهضتها ألاقتصادية نموذجا يقتدى به من جانب شعوب منطقة الشرق ألاوسط , وفي العام 2003 ترسخت النظرة ألايجابية لدى شعوب المنطقة الى تركيا بعد رفض البرلمان التركي عبور القوات ألامريكية للأراضي التركية للتدخل العسكري في العراق ,وكنتيجة لهذا الموقف فان ألادارة ألامريكية السابقة خلال عهد الرئيس ألامريكي السابق جورج بوش اتخذت موقفا عدائيا تجاه تركيا , ورغم ذلك فانها لم تستطع فعل أي شيء تجاه تركيا لأن وضعها في تلك المرحلة اختلف جذريا عن السنين التي سبقتها وأدركت ألادارة ألامريكية السابقة ان مسألة الحاق أي ضرر بألاقتصاد التركي أو البنية المجتمعية لتركيا سيكون له تداعياته السلبية على مستوى الغرب عموما وعلى مستوى منطقة الشرق الاوسط لأن تركيا في تلك المرحلة كانت تشهد تطورا وتقدما على مختلف المجالات سواء في مجال الديمقراطية أو مجال التنمية وألازدهار ألاقتصادي وكانت في طريقها للتحول الى قوة اقليمية مؤثرة لها شأنها وكلمتها المسموعة على مستوى المنطقة , والقوى الخارجية الكبرى تدرك جيدا أن فسح المجال أمام تركيا وعدم خلق المشاكل لها ووضع العقبات أمامها سيؤدي الى ترسيخ قوتها ألاقليمية باعتبارها بلدا مستقلا يتمتع مواطنوه بالحريات والسلم المجتمعي اضافة الى تنامي نفوذها على مستوى منطقة الشرق ألاوسط بفعل سياستها الخارجية المستقلة, وكدليل على ذلك موقفها من مسألة الملف النووي ألايراني ودعمها للموقف ألايراني اضافة الى انتقادها لمواقف الولايات المتحدة وألامم المتحدة وألاتحاد ألاوروبي وروسيا وبشكل لم يجرؤ عليه رئيس أية دولة أخرى باستثناء تركيا, وكمثال على ذلك انتقادها لتركيبة مجلس ألامن الدولي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا نظام الفيتو المتبع والذي يتيح لدولة واحدة فقط من الدول الدائمة العضوية نقض أي قرار يتم اتخاذه من جانب المجلس وهذا ماظهر جليا في مايخص الشأن السوري, ولعل موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان جسد ذلك بأصدق مثال حين انتقد غياب التمثيل ألاسلامي في هذا المجلس رغم وجود المليارات من المسلمين في العالم وهذا ألانتقاد الذي شكل سابقة على مستوى قادة الدول ألاسلامية تسبب بحالة من عدم الراحة لدى القوى الكبرى, والمؤامرات على تركيا تمتد جذورها الى حقبة الستينات من القرن الماضي حيث جرى ايجاد منظمات يسارية متطرفة تعادي الدولة التركية وقد زاد وتيرة هذا ألامر بعد التدخل التركي في قبرص في أوائل السبعينات من القرن الماضي ونصرتها للقبارصة ألاتراك المسلمين , الا أن السنين اللاحقة أثبتت خطأ القوى الكبرى في دعم مثل هذه المنظمات ألارهابية ضد الدولة التركية لأن العمليات ألارهابية التي كانت تنفذها ضد المصالح التركية وشركات الطيران والبعثات الديبلوماسية التركية في أوروبا أوقعت العديد من الضحايا من مواطني الدول ألاوروبية التي كان يتم تنفيذ ألاعتداءات ألارهابية فيها وبالتالي فانها نفضت يدها من تلك المنظمات وتوقفت عن دعمها, الا أن السنوات اللاحقة شهدت ظهور منظمة ال بي كي كي ألارهابية وبدعم من تلك القوى نفسها وتحول شكل ألارهاب القائم ضد الدولة التركية من ارهاب قائم على أساس أيديولوجي الى ارهاب قائم على أساس عرقي, وهذا ألاسلوب تتبعه القوى الكبرى في صراعها مع الدول التي هي على نفس القوة معها بينما تتجه لأتباع أسلوب الصراع المسلح المباشر مع الدول ألاخرى التي تقل قوة عنها أما مع الدول القوية مثل تركيا فانها اتبعت ألاسلوب ألاول عبر دعم المنظمات الارهابية السرية لضرب المصالح التركية, وهذا النهج ظل متبعا منذ قيام الجمهورية التركية وحتى حقبة الستينات من القرن الماضي حين جرى ايجاد المنظمات ألارهابية القائمة على أساس أيديولوجي في صراعها مع الدولة التركية ومن ثم جرى تسليم راية ألارهاب الى منظمة ال بي كي كي التي مارست ألارهاب القائم على أساس عرقي ضد الدولة التركية , وقد شكل هذا ألامر جرحا غائرا في الجسد التركي طيلة أعوام طويلة وساهمت القوى الكبرى في تعميقها من خلال دعمها بشكل غير علني للأرهاب الذي مارسته منظمة البي كي كي ألارهابية طيلة العقود الماضية, وبعد أن تبنت الدولة التركية مرحلة السلام فان هذا ألامر سبب نوعا من عدم ألارتياح لدى تلك القوى, كما أن ألازمة السورية كان لها انعاكاستها على ألاوضاع في تركيا باعتبار أن القوى التي تساند وتدعم بقاء النظام على رأس السلطة في سوريا تعمل في الوقت نفسه على اضعاف تركيا, واطلاق مصطلح الربيع التركي مناف للواقع وللحقيقة لأن الربيع العربي نتج عن انتفاضة عدد من الشعوب العربية ضد أنظمتها الديكتاتورية وألاحزاب التي كانت تتولى مقاليد السلطة في تلك البلدان وفق نهج الحزب القائد ألاوحد وغياب مفهوم الديمقراطية الحقيقية ومبدأ التداول السلمي للسلطة هناك بينما الوضع في تركيا يختلف جذريا لأن هذه الدولة تتميز بعراقة تجربتها الديمقراطية القائمة على أساس دولة المؤسسات الدستورية وهناك تعدد حزبي قائم على مبدأ التداول السلمي للسلطة استنادا الى نتائج ألانتخابات, والشيء اللافت أن موجة ألاحتجاجات هذه ظهرت مع بوادر انتهاء ظاهرة ألارهاب الذي كانت تمارسه منظمة البي كي كي ضد الدولة التركية مع دخول مرحلة السلام حيز التطبيق, ولو نظرنا الى مطالب المحتجين فاننا نستغرب حقيقة من مطالبهم فهم لايطالبون باجراء انتخابات مبكرة, ولايطالبون بتوفير فرص عمل لهم لأنهم أصلا لايعانون من هذه المشكلة مثلما هو الحال في الدول ألاوروبية التي تأثرت بألازمة ألاقتصادية العالمية بل يطالبون بعدم مبادرة الحكومة التركية الحالية ببناء جسر ثالث على مضيق البوسفور وعدم انشاء قناة اسطنبول الملاحية التي ستربط مابين البحر ألاسود والبحر ألابيض المتوسط وهو ماسيسهم في تطوير الحركة الملاحية في البلاد عموما وفي مدينة اسطنبول تحديدا, ولكن مالسبب في ذلك ياترى! والسبب هو أن دولة أوربية كبيرة لاترغب في ذلك لأنه يشكل برأيها خرقا لمعاهدة مونترو وتحديدا الشق الخاص بألاتفاقيات الخاصة بانشاء المضايق البحرية , وهذه الدولة ألاوربية الكبرى ترغب في بقاء الوضع على ماهو عليه من دون أي تغيير الى ألابد, والمطلب الغريب ألاخر للمحتجين هو المطالبة بعدم انشاء مطار مدني ثالث في اسطنبول, ولكن مالسبب ياترى في هذا المطلب الغريب ألاخر! السبب هو أن دولة أوربية كبيرة أخرى, لاترغب بذلك لأنه ومع انشاء هذا المطار فان نحو 100 مليون مسافر ترانزيت سيمرون من مطارات تركيا عوضا عن مطارات تلك الدولة وبهذا فان الخطوط الجوية التركية ستتفوق على نظيرتها في تلك الدولة, ولعدم تحقيق هذين المشروعين من جانب الحكومة التركية الحالية فانهم بادروا الى تحريك المنظمات المتطرفة داخل تركيا لأفشال هذين المشروعين رغم أن هناك من بين المحتجين أناس ينتمون الى منظمات الخضر وحماية البيئة, الا أنه قد جرى استغلالهم لأغراض أخرى, من ألاسباب ألاخرى التي أدت الى حدوث حالة من عدم الارتياح من جانب القوى الكبرى تجاه تركيا هو ازدهارها ألاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية والذي مكنها من أن تتحول الى بلد مدين للبنك الدولي بعد أن كانت وقبل سنوات معدودة من البلدان الدائنة لهذا البنك, وخلال ألايام الماضية وبعد أن تسربت الوثائق التي توضح ارتباط المنظمات المتطرفة التي تقود حركة ألاحتجاجات في تركيا بالقوى الخارجية فان ألامر اصبح واضحا للعيان, وستستمر القوى الخارجية في مساعيها الرامية الى اضعاف تركيا طالما استمرت هي في انتهاج سياستها المستقلة البعيدة كل البعد عن تأثيرات تلك القوى, وقوة تركيا ألاقتصادية وعراقة تجربتها الديمقراطية أسهم في اخماد المحاولات الرامية الى اشعال الفتن داخل البلاد من جانب القوى الخارجية التي سخرت أدواتها في الداخل لهذا الغرض.
|