تعديل قانون الانتخابات التشريعية ضرورة موضوعية وذاتية |
لم تسكت الأصوات التي كانت ومازالت تلح في تعديل قانون الانتخابات ليكون قانوناً عادلاً يرسخ الممارسة الديمقراطية، وعندما صدر قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون الانتخابات بسبب غبنه حق الناخبين، وألزمت وهنا يجب فهم ألزمت البرلمان بتغييره فرحت النفوس التي ضاقت بدكتاتورية الأحزاب والقوى المتنفذة واستغلالها لقانون الانتخابات المجحف، وأصبحت المطالبة بسن أو تعديل قانون الانتخابات التشريعية قضية مطلبية شعبية واسعة فضلاً عن مطالب العديد من القوى السياسية صاحبة الحق في أن يكون القانون منصفاً ويمنع التجاوز على أصوات القوى السياسية التي تُسرق أو يتم الاستيلاء على أصوات ناخبيها، وفي هذا المضمار فإن اللجنة القانونية النيابية بتوجهها لإجراء التعديلات على قانون الانتخابات عليها أن تدرس بشكل جيد ما يقدم لها من مقترحات وأن تراعى مصالح الجميع بدون استثناء بشرط عدم غمط حقوق القوى التي استولت الحيتان الكبيرة على أصوات ناخبيها في الانتخابات التشريعية السابقة عام 2010 وأن لا تنقاد إلى الاعتراضات حول الصيغة القانونية “سانت ليغو” التي اتبعت في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في نيسان 2013، فهذه الاعتراضات جاءت من قبل الكتل الكبيرة لأنها خسرت وبالتالي حُرمت من الاستيلاء على أصوات انتخابية ومقاعد شاغرة لا تعود لها واعتبرته إجحافاً بحقوقها غير المشروعة وتناست حقوق القوى السياسية التي تضررت في السابق عندما تم الاستيلاء على حوالي أكثر من مليون صوت انتخابي، لابد أن تستجيب اللجنة القانونية النيابية والبرلمان لقرار المحكمة الاتحادية وعدم التجاوز عليه لأن القرار هو جزء من العدل الذي يجب أن يكون كاملاً بتعديل القانون الانتخابي ليكون قاعدة تنطلق القوى الوطنية منه لبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، إلى جانب سن قانون للأحزاب الذي سيكون معياراً للفهم الديمقراطي باتجاه ترسيخ الممارسة الديمقراطية. إن تجربة الانتخابات التشريعية وانتخابات مجالس المحافظات خلال السنين المنصرمة كشفت الكم الكبير من التجاوزات وعمليات التزوير وشراء الذمم واستغلال المال العام ووسائل الدولة إعلامياً وامنياً لصالح البعض من القوى المهيمنة، والمتضرر الأكبر في هذه العمليات هو الصوت الانتخابي الذي يسعى لتعديل العملية الانتخابية ومجيء ممثليه الحقيقيين وعدم سرقة صوته وفق قانون مجحف وغير عادل، والمتضرر الثاني هي القوى السياسية الوطنية والديمقراطية التي من المفروض أن تساهم في تطوير العملية السياسية وتثبيت دعائم الدولة المدنية الديمقراطية وان تحظى بقانون انتخابي لا يسلبها الأصوات التي تعود لها وهذا هو حقها الطبيعي، لكن بعد صدور نتائج انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة وأخذ كل صاحب حقه تقريباً لاحظنا اعتراضات من بعض القوى المتنفذة التي أخذت تنادي وتولول على ما ضاع منها وبدون أي وجهة حق، وتعالى صريخها مطالبة بالعودة إلى القانون الانتخابي غير العادل في البعض من مواده وعدم اعتماد نظام “سانت ليغو” لكي تقوم الحيتان الكبيرة بالهيمنة على أصوات الناخبين الذين يصوتون لصالح القوى الوطنية والديمقراطية والقوى المستقلة، ثم بالتالي الاستيلاء على المقاعد الشاغرة التي تستغل من أجل تمرير المخططات لصالح الكتل الكبيرة، وما جاء على لسان عباس البياتي عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي يعتبر تأكيداً على الموقف المناهض لفكرة تمثيل أكثرية القوى السياسية لكي يتسنى الاستيلاء على أصوات ناخبيها، فقد أشار بكل وضوح ولا خجل أن “سبب تعطيل تشكيل الحكومات المحلية إلى هذا الوقت يرجع إلى تطبيق مبدأ نظام سانت ليغو في انتخابات مجالس المحافظات” وكأن لسان حاله يقول كان من المفروض عدم تطبيق العدالة والاستمرار في ظلم القوى السياسية الوطنية والديمقراطية وسرقة ناخبيها لكي يتمتعوا بحق غيرهم، ثم يستمر في مطالبته بحق ليس من حقه ولا حق ائتلافه أو أي قوى كبيرة استحوذت على مقاعد البرلمان في أن “النظام مجحف (يقصد سانت ليغو) وغير عادل وهو الذي أدى إلى تفتيت القوائم وجعل المحافظات غير متماسكة وفيها من القوائم التي تستطيع أن تتفاهم” وليتصور كل ذو بصيرة وضمير حي كيف تجري المحاججة الغريبة بين الباطل وبين الحق فهو يطالب بالباطل وكأنه حق وعدالة أما الحق الحقيقي والعادل فيعتبره باطل وغير عادل وليس من حق أصحابه المطالبة به، هكذا يفكر السيد عباس البياتي والبعض من ائتلاف دولة القانون أو البعض من القوى المتنفذة، إلا أن التفنيد الذي أطلق على لسان الدكتور علي الرفيعي عضو المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي كشف الحقيقة المكشوفة منذ زمن فإن هذه الآراء دليل على إفلاس البعض من هذه القوى في الانفراد بتشكيل الحكومات في المحافظات مثل ما كان سابقاً وإبعاد القوى التي قد تخدم المواطنين من خلال مشاركتها والوقوف بالضد من الهيمنة، وأوضح د. علي الرفيعي بكل صراحة، أن “محاربتهم وترويجهم عدم اعتماد طريقة سانت ليغو في الانتخابات البرلمانية يؤكد بأن الكتل السياسية المتنفذة أثبتت بعدها عن النظام الديمقراطي وتريد استحواذها على السلطة من دون مشاركة الآخرين” وأضاف في تصريح لجريدة طريق الشعب الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي “بالإمكان تشكيل الحكومات من خلال ائتلاف الكتل الكبيرة والصغيرة، لفسح المجال أمام الجميع للمشاركة السياسية وهذا ما عمل به في الأنظمة الديمقراطية”. ثم طالب “بإقرار قانون انتخابي عادل يفسح المجال للجميع بالمشاركة السياسية” وهذا التوجه لإلغاء سانت ليغو الذي تتبناه البعض من القوى صاحبة القرار عبارة عن إنذار حقيقي لما يخطط للانتخابات التشريعية القادمة وبخاصة أن ولاية مجلس النواب تنتهي في 14 حزيران 2014 إذا ما تم فعلاً الرجوع عن نظام سانت ليغو وأخذ بقانون الانتخابات السابق، ومن سابق القول أن تبقى المطالبات على شكل تصريحات عابرة لأنها جس نبض للشارع والقوى السياسية المؤيدة لهذا النظام ومن الأجدر ومنذ الآن أن تقوم القوى السياسية الوطنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الوطنية بنشاط واسع لتعرية مواقف الذين يهدفون الرجوع للوراء ويلغون نظام سانت ليغو ليتسنى لهم الاستيلاء مرة أخرى على أصوات القوى السياسية، إلا أن ما يفرح بأن البعض من القوى السياسية رفضت العودة إلى القائمة المغلقة وطالبت بتعديل قانون الانتخابات لكي يتسنى للمواطنين حرية الانتخاب وعدم الاستيلاء على أصواتهم، فيما أكدته اللجنة القانونية النيابية على لسان أمير الكناني نائب رئيس اللجنة “إننا وكلجنة قانونية مسؤولون عن هذا التعديل وملزمون بقرار المحكمة الاتحادية العليا فإذا أجريت الانتخابات بدون تعديل فسيتم الطعن فيها وتلغى النتائج بالكامل “. إن تعديل قانون الانتخابات نحو صيغة عادلة ووفق الطريقة النسبية والقائمة المفتوحة ورفض القائمة المغلقة واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة ينسجم مع الدستور وسوف يساهم في استقرار الأوضاع السياسية في البلاد بما فيها التخلص من المحاصصة الطائفية والحزبية ويجعل القوى السياسية جميعها تدرك قيمته الوطنية وتثق بعدالته وعدم التجاوز على حقوق الآخرين بما فيه عدم الاستيلاء على أصوات الناخبين بدون وجهة حق، ومثلما هذا القانون الانتخابي العادل مهم وحيوي فإن توأمه قانون الأحزاب سيكون مكملاً لمسيرة الممارسة الديمقراطية وتوضيح مهمات الأحزاب، حقوقها وواجباتها، بما فيها قضية التمويل التي تعتمدهُ في حملاتها الانتخابية أو قضايا أخرى، بينما التعنت على الممارسة اللاديمقراطية الاستحواذية سوف يساهم في إضعاف العملية السياسية لا بل يساهم في عدم الاستقرار السياسي والأمني. |