اللّحية أساس الملك !

 

 

 

 

 

 

حين يستحضر المرء الكتب التي قرأها في طفولته ومراهقته، حول تسيير شؤون المجتمعات والدول، يجد على رأسها كتاب: "الأحكام السلطانية" للماوردي. والكتاب صعب القراءة، لمثل هذا السّن، لكن الطفل مازال يتذكر، نقطة جوهرية، وهي: "العدل أساس الملك". ونفس الفكرة نقلها فيما بعد، أبو الأعلى المودودي في كتابه: "الخلافة والملك"، لكنه صبغها بصبغة هندية، جعل الكتاب محدود الزمان والمكان.

وظلت فكرة: "العدل أساس الملك"، هي المقياس فيما بعد، لدراسة الكتب العربية والغربية، خاصة الكتب الأنجلوساكسونية، المترجمة إلى اللغة العربية أو الفرنسية، في المرحلة الجامعية.

وفي المقابل، إقرأ إذا شئت، آخرمقال، للأستاذ الكريم، عبد العزيز كحيل، بعنوان: " ”خطايا” أو “عناصر قوة” محمد مرسي؟"، http://assala-dz.net/ar/?p=4128، وهو يضع شروط الحاكم، ويعددها: " فهو محافظ على السمت الديني: يحفظ القرآن الكريم، ويؤمّ الموظفين والزوار في الصلاة عندما تحين في قصر الجمهورية، ويحضر صلاة الجمعة بانتظام في مساجد مختلفة، ويصوم نافلة الإثنين والخميس كما لاحظ المتواجدون في مقرّ عمله، ويُطلق لحيتَه، وزوجته ترتدي اللباس الشرعي الصارم".

الانسان حر في أن، يصف من يحب بما يحب، لكن وصف الحاكم وتفضيله، يكون بتحقيق العدل والمساواة بين الجميع، وإرجاع الحق للضعيفُ، وأخذ الحق من القويّ، والذود عن الأرض والعرض، وعدم التنازل عن حقوق الأمة، واحترام الانسان حيا وميتا.

أما عن الخصال الشخصية الحميدة للحاكم، فتلك خصال يشترك فيها الحاكم والمحكوم، والمطلوب من الحاكم، أن يتميّز بخصال تفوق المحكوم، وإلا لماذا حكم الناس، مادام لايأخذ حقّا من قوي، ولايعيد حقا لضعيف؟.

إن سيدنا يوسف، عليه السلام، حين تلقى الضوء الأخضر من العزيز، "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم"، يوسف - الآية 55، فأبدع في الإقتصاد، وأدهش في العدل، حتى مع اخوته وذويه، ولم يقدم نفسه على أنه نبي، وابن نبي، عليهما السلام. وسيدنا شعيب عليه السلام، زوّج ابنته، لسيدنا موسى عليه السلام، بناء على شهادة ابنته، التي أعجبت بأمانته: "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ"، القصص - الآية 26، ولم يقدم نفسه على أنه نبي، ورضي بمهر "ثَمَانِيَ حِجَجٍ"، القصص - الآية 27، خدمة للزوج، وأتمها عشرا، لأمانته ووفاءه. وسيدنا سليمان عليه السلام، حين خاطب بلقيس، عليها السلام، لم يذكر أنه نبي، وابن نبي، عليهما السلام، ولم يعدد لها الخوارق التي بين يديه، إنما خاطبها بلهجة القائد والحاكم، فعرفت قدر صاحب الكتاب، ووصفته بقولها: "قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ"، النمل - الآية 29، وإنه لكتاب كريم من كريم وابن كريم.

والمتتبع للسيرة النبوية الشريفة، يلاحظ أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطى ألوية الحرب، لبعض المتأخرين من الصحابة الذين أسلموا، رضوان الله عليه جميعا، ولم يعطها لبعض الأوائل الذين أسلموا، لأنهم يتوفرون على شروط القيادة، ولو كانوا من المتأخرين في الدخول للاسلام.

إن الحاكم، يُسأل عن عدله بين رعيته، ويكون الجزاء والحساب، بقدر القرب والبعد من تحقيق العدل والمساواة. ومن هضم الحقوق، لن تنفعه لحية، أوقيام ليل، أوصيام نافلة، ومن أدى حقوق العباد والبلاد، ونشر العدل بين رعيته، لن يضره بعد ذلك، أنه ليس مثل الأول.