رائحة النفط... شعر: عبد الجبار الفياض

 

 

 

 

 

 

في قريتِنا 
شئٌ ما 
يتدفّقُ أعمدةَ بلّورٍ لا يُحسَب 
تتسلقُها أحلامُ حُفاة . . . 
تأخذُ من الشّمسِ طَرَفَاً 
ومن الغيْمِ وشاحاً . . .
رقصَ في داخلنِا فرحٌ 
مُنشّقٌ عن أيـّامِ العُتمة . . .
خيالٌ يجمعُ أشتاتَ رؤىً
ضبّبها يأسٌ مرٌّ 
يطرقُ نحسْاً لا يصدأ . . .
. . . . .
تعانقتْ عيونٌ . . . 
أحلامٌ غضّة
كعذوقِ رَطَبٍ برحيّ 
تشابكتْ أفنانٌ 
في حضنِ ريحِ صَبا . . .
إهتزتْ أشياءٌ جذلاً . . .
وبدأ يبيعُ بقيةَ ظلامِهِ 
ليلٌ مُغلق . . .
النّهارُ 
لبسَ ثيابَ فاتحينَ كِبار
وسقط في أيدي حزنٍ 
تسلّطَ دهراً
أدمى عيونَ ضارعين 
لبواباتِ فجرٍ مُتأخرٍ 
يعبرُ متاريسَ المنعِ . . . 
. . . . .
قالَ أبي 
وداعاً ليالي العزْفِ المُنفرد 
على أوتارِ قلقٍ متشرذم . . . 
هذا فراقٌ
بيننا وبينَ سقْفٍ 
تدخلُهُ الشّمسُ 
بلا تردد . . . 
وبردٍ 
يجلدُنا بسوطِ كانونِهِ الأخرق. .. 
وجوعٍ 
يشاطرُنا لقمةَ كفافٍ 
في يقظةٍ ومنام . . .
. . . . .
وداعاً
لظلِّ صفيحٍ 
نلبسُهُ هاجرةَ قيْظٍ 
ينفثُ سمّاً . . .
. . . . . 
ستكونُ هناكَ لُقمَةٌ
تُغمسُ بإدامٍ ساخن 
وطبقٌ من ممنوعِ فاكهةٍ
سيكونُ هناكَ ماءٌ 
لا نغسلُهُ . . .
وحبلُ غسيلٍ
لا يَخجَل . . .
. . . . .
انفرجي 
أيّتُها الظّلماتُ 
يا أصابعَ الزَّمنِ المُندسِّ في جيوبِ السّادة . . .
سُهيْلٌ 
سيختفي بنحسِ صُفرتِهِ
وتتلألأُ الثريا في بيتِ عُرس
ستزورُ بيتَنا الألوانُ 
وسنعرفُ كيفَ نوقدُ شموعَ العائد . . .
هل سيغمضُ كافورُ عيناً
ولا يكتمُ أبو مُحسَّدٍ حبّاً قد براه
وعيدُنا سعيداً يعود . . . !
. . . . .
رحّلونا 
وترحّلَتْ أحلامُ الحصرم 
إلى ضفةِ جفافٍ 
لا يفصلُها عن الموْتِ 
إلآ نفسٌ متقطّع 
وخرقةٌ بيضاء . . .
. . . . . 
وسادَ ممنوعٌ جديد 
يزدردُ السنينَ والفصولَ . . . 
و يخرقُ اللّوحةَ 
مسمارٌ منها . . .
. . . . .
أيعتذرُ جُرحٌ من خِنجر 
غارَ بهِ إلى حدِّ المِقبض؟
وأرغفةُ الخبزِ تُدافُ 
برمادِ الموْتِ البارد . . .
. . . . .
وغداً كان
وجدْنا أحلامَنا 
في حاويةِ قَمامةٍ مُستوْرَدة . . . 
سُلبَتْ 
حينَ حُشدْنا 
نهتفُ لسمكٍ يسبحُ في بحر . . .
وننتظرُ قدرَ بهلول 
فوقَ باسقةِ شجرٍ . . .
ماتَ الحمارُ حالماً 
بربيعٍ زاهر . . .
ورحلَ آلُ ياسرٍ لجهةٍ مجهولة . . .
. . . . .
نمضغُ ونبصقُ
كبارٌ 
صفّقوا بأيدينا لهم . . .
ومسحوا بأكمامِنا 
أنوفَهم . . .
وبقروا آذانَنا بخطبٍ جرداء 
لا شئَ فيها سوى لا شئ 
شاهتْ حروفاً 
فكانتْ بُقعاً داكنة 
على أرصفةِ التيْهِ المفتوح . . . 
وبعد
استنسخوا بصماتِ وجوهِنا 
في سجلاتِ صدقاتٍ عفنة . . . 
أسقْطُ مَتاعٍ ونحنُ الحارثون ؟ 
ليتَ منسيّاً يُنسى . . . !
. . . . .
وعادَ كُلُّ شئ
وسائدُنا 
التي لا تنزعُ ثوبَها . . . 
لحافُنا 
الذي لا يستحمُ . . . 
ونحنُ 
الذين لا نُرَق . . .
. . . . . 
ذلكَ الشئُ 
لا يزورُ بيوتَ طينٍ 
أتعبَها زمنٌ 
بالَ على عقبيْه
وأبوابَ صفائح
وأفرشةَ القُطنِ الأسود . . . 
ولا يمسحُ أكتافاً 
حملتْ ما ناءَ بهِ جبلٌ من حمرين . . .
بل يدخلُ جحوراً لثعالب
وصالاتِ دِمَنٍ . . . 
ويغسلُ أرجلاً 
تتقنُ فنَّ الرَّقص . . .
. . . . .
يمتشقُ أبو ذرٍ سيفَه 
ويهرولُ نحو الأفق . . . 
و ابنُ جبير 
يصرخُ بوجهِ الحجّاج . . . 
لكنَّ ابنَ الوردِ
يحتسي قراحَ ماءٍ بارد . . . !
لحمٌ مُـرٌّ 
لا يُطبخُ بقدورِ الطّائي مرتين. . .
. . . . .
انتفختْ بُطون . . .
وقبلَها حقائب . . .
ودمعتٌ عيون . . .
وأُسدلَ السّتارُ 
على جُمجُمةٍ وكأس . . .!
. . . . .