الهجرة الواسعة من قبل أهل الريف و القرية التي تغرصت لها بغداد بشكل كثيف و متواصل ، جعلتها تفقد ملامح العاصمة تماما ، لتتخذ بغداد طابع و هيئة الريف و القرية في آن ، لتبدو بغداد في النهاية عبارة عن قرية كبيرة و شاسعة جدا بحميرها و أغنامها و دجاجاتها و بملامح سكانها الريفيين أو القرويين ، مع زيادة النفايات و الزبالات و التعايش معها بسبب كثرة التناسل الآلي، مصحوبة بمظاهر الجهل و التخلف سبعينات .. حتى يستغرب المرء وهو ينظر حواليه و بالكاد ير ى أثرا أو معلما من أثار و معالم بغداد من سبعينات القرن الماضي المزدهرة ، حيث المكتبات الزاخرة بالكتب ودور السينما و المسرح و مراكز التسلية والترفييه و الحدائق و المنتزهات الخلابة و العمارات القائمة حدبثا و الشوارع المبلطة و الأرصفة المعمرة .. و الحال هذه فكان من الطبيعي أن يجلب أهل القرى و الريف هؤلاء عاداتهم و تقاليدهم القبلية والعشائرية و حتى البدوية معهم إلى إلعاصمة ليمارسونها بكل راحة و ترياحة ، و خاصة بعد حلول مرحلة الفوضى الخلاقة ، و بدون أي اعتبار أو أهتمام لأنظمة و قواعد لحفظ النظام ومعمولة بها في معظم عواصم العالم المتمدنة .. و ضمن انعكاسات هذه العادات و التقاليد الشعبية أو تطويرها !!، هو الإقدام على قطع أو احتلال الشوارع الفرعية ـــ طبعا بشكل كيفي و تعسفي ـــ في الأحياء الشعبية المكتظة و المعروفة و المتميزة بطابها الريفي المتخلف الشديد لحد البدائية في بعض الأحيان ، و ذلك بمناسبة إقامة حفلات عرس أومجالس عزاء ، وهي في كلا الحالتين تحدث بشكل شبه يومي بسبب الأنفجار السكاني ــ حفلة الأعراس ــ أو بسبب أعمال العنف و الإرهاب شبه المتكررة في حالة إقامة مجالس عزاء .مختلفة ، و حيث تستمر هذه المجالس لمدة ثىلاثة أيام على الأقل و هذا يعني بأن الشارع نفسه يبقى محتلا لمدة ثلاثة أيام بالتمام و الكمال !!.. أجل .. هكذا.. و بكل بساطة .. إنهم يقطعون الشوارع الفرعية بشكل تعسفي ، أو يحتلونها من خلال نصب خيم كبيرة و طويلة ، حيث يجلس مئات من الناس على كراس موضوعة لهذه الغاية ، وهم يتحادثون أو يأكلون أو يتهاتفون ، و حيث يقف بعض المكلفين بمهمة إرجاع أصحاب السيارات الساعين إلى بيوتهم بعد مشقة طويلة و اخنتاقات مرورية عويصة و مزعجة ، و إرغامهم على العودة من حيث أتو ، دون أن يهمهم بأنه من حقك أن تذهب بسيارتك أو بسيارة الأجرة من هذا الشارع المؤدي إلى بيتك مباشرة ، وعليك أن تقوم بدورات طويلة و عبراالعديد من الشوارع الفرعية لكي تصل إلى بيتك .. !!.. أما لماذا لا تقام هذه المجالس في المساجد و الحسينيات الموجودة بكثيرة و حيث المكان المناسب ، فهذا الأمر لم نستطع تبينه أومعرفته .. ففي هذه الأحياء و المناطق المكتظة لا أحد يسأل أو يطلب أذنا أر تصريحا بالموافقة ، أنما يعمل ما يراه مناسبا له فحسب .. ربما بسبب اهتزاز هيبة الدولة أو غياب قوتها و حضورها الفعّال و الرادع.. فهذا النمط من البشر قد تعودوا على أن لا يلتزموا بالقوانين و الأنظمة و القواعد إلا بالقوة و الإجراءات الشديدة أو عبر تلويح عصا غليظة .. فعندما تفقد الدولة هيبتها و قوتها و اعتبارها ، فيصبح كل شيء مباحا ، خاصة من قبل أولئك الذين لا يميزون بين مخلفات حظيرة و بين محتويات متحف . و هكذا جرت الأمور سيدااتي و سادتي الكرام على صعيد تترييف يغداد لتبدو قرية كبيرة متخلفة و بائسة : أي بالعكس إلى حد تمكنوا هم من عملية تتريف بغداد ــ أي جعلها ريفية ــ قبل أن تتمكن بغداد من عملية تمدنهم ! .. كما لو كانت أدمغتهم مغلفة بجلد التماسيح ضد التمدن و العصرنة و الذوق الجمالي العام !.. أحيانا تنتابني رغبة أن أذرف دمعا ساخنا على حالة بغداد المزرية و المفجعة ...
|