في قضية البند السابع

 

مرة اخرى يعاني فيها العراقيون طفحاً ايديولوجياً نتيجة المواقف المسبقة والنظر للاشياء من زاوية الابيض او الاسود فقط. انقسمت آراؤهم حول قضية خروج العراق من طائلة البند السابع حسب قناعاتهم المسبقة كالعادة دون ان يحللوا القضية بصورة مجردة بعيدة عن وهم الايديولوجيا. كانت تلك المواقف كالتالي

فريق المؤيدين لحكومة المالكي: مبروك للعراق خروجه من البند السابع فهذا انتصار تاريخي لحكومة العراق ومفاوضها وسيعود بالبلد الى مصاف الدول القوية والحرة مجدداً

فريق المعارضين: هذا سيشجّع الحكومة العراقية على السرقة اكثر من الماضي طالما لا رقيب على اموال العراق اليوم. يصاحب هذا الكلام سخرية طبعاً وتهكم من القرار

فريق المحايدين (رغم ان شيخ الفقه البنيوي لیفي شتراوس يقول لا حياد ابداً مع الايديولوجيا حيث كلنا ايديولوجيون في النهاية): مبروك للعراق خروجه من البند السابع واستعادته استقلاله الكامل

القضية لا افراط ولا تفريط، اذ لا يضعنا خروج العراق في مصاف الدول المتقدمة ولا تعني المزيد من السرقات من قبل الحكومة في نفس الوقت، بل القضية سياسية رمزية تتعلق باستعادة العراق رمزية الاستقلال بعيداً عن الوصايا الدولية، ومنها سيطرته على مائه وسمائه وامواله وطائراته وقضايا اخرى سياسية. الفرح يهذا اليوم لا يعني بالضرورة "التدبيج" للحكومة فهو يوم وطني للبلد برمته وليس لشخص ما، وان كان هناك ثناءً على دور الحكومة بخصوص هذا النجاح، فهذا اقل ما تطلبه منا الحيادية والانصاف لانها عملت على هذا الامر من فترة طويلة، خصوصاً تلك الترتيبات مع دولة الكويت التي ساعدت في تغيير قناعات الكويت والتصويت لصالح القرار اخيراً

نعم كان هناك دوراً جيداً للحكومة العراقية في هذا الامر (وهذه ليست منّة منها بل هذا عملها) ونتمنى منها المزيد في هذا الصدد ومع كل الدول العربية لاعادة بناء العلاقات الجيدة وفق المصالح المشتركة واحترام السيادة، فمثلما نذمّها وننتقدها في مواقف، يجب علينا ان نشجعها ونمدحها على أُخَر نراها سليمة وايجابية للبلد بصورة عامة، والاّ ستكون المعارضة معارضة دولة وشعب باكمله وليست معارضة اداء حكومة فحسب

يا سادتي الاعزاء، قضية خروج العراق من البند السابع شيء وسرقة تلك الاموال (لو حصل مثلا) شيء آخر .. القضيتان منفصلتان تماماً. هل من الممكن ألاّ افرح بهذا الامر الوطني لمجرد ان هناك مَن يقول ان الحكومة ستسرق الاموال؟؟ ما اشبه هذا الكلام بكلام الامس حيث الكثير اعترض علينا فرحتنا لما كنا نمنّي النفس بسقوط صدام وهم يقولون ان صدّاماً ليس الدكتاتور الوحيد؟؟ يعني عليّ ان اقبل باجرام صدام ودكتاتوريته لمجرد ان هناك دكتاتوريات عربية اخرى؟؟ يا له من منطق؟؟

التقليل من قيمة الخروج من البند السابع والتهكم عليه شيء غير مبرر ولا يشي بأن اصحاب هذا الرأي حريصون على اموال العراق، بل يبعث عندي الشك وأقرؤه انه موقف ضد العراق وشعبه وليس معارضةً لحكومة المالكي او حرصاً على اموال البلد؟

هكذا افهمها فانا مريض بالشك الديكارتي ولا احب "الفطارية" الافلاطونية

بالمقابل اتمنى على الحكومة العراقية ان تعجّل بتعديل وتصحيح سياستها الخارجية سيما وان هناك تغييران مهمان قد حصلا في بلدين مؤثرين وهما ايران وقطر، حيث الاولى يترأسها اليوم روحاني، الرجل الذي يحب ابعاد ايران عن الخارج والاهتمام بالداخل الايراني اكثر من فكرة "الحيّز الابعد" التي كان يعمل عليها خَلَفه احمدي نجاد، وهي نظرية تأمين ايران من الخارج البعيد اولاً

اما التغيير الثاني فهو بوصول تميم بن حمد الى السلطة في قطر، فخطابه الاخير كان انعطافة مهمة في تاريخ قطر طالما شدّد تميم على ابعاد قطر عن سياسة المحاور والحروب الطائفية في المنطقة. قالها بصراحة "نحن قوم نلتزم بمبادئنا وقيمنا، لا نعيش على هامش الحياة ولا نمضي تائهين بلا وجهة ولا تابعين لاحد ننتظر منه توجيهاً، واننا وان اعتبرت قطر حليفاً لجماعة الإخوان المسلمين، الا انها لا تؤيد اتجاهاً سياسياً معيناً وتحترم سيادة وسلامة الاراضي العربية كلها". هذه كلمة مهمة لدولة طالما دعمت حركات التشدّد في الوطن العربي في العشرة سنوات الاخيرة تقريباً

بوجود هذين التغييرين، يجب على سياسة العراق الخارجية ان تتغير ايضاً وتنحى منحاً اكثر تسامحاً في خطابها مع العرب، على الاقل الابتعاد عن المشاكل الاقليمية قدر المستطاع، وخصوصاً القضية السورية التي هي شأنٌ داخلي، اثمها على حاملها.