حكومة الشراهة الوطنية... إلى أين ؟

 

في الأزمنة الغابرة كانت الحكومات المتعاقبة على العراق تضع شرطين أساسيين على من يريد أن يتولى إحدى الدرجات الخاصة من مدير عام فما فوق وهما أن يكون أولا أصلع الرأس وثانيا أن يكون من أصحاب الكروش الكبيرة التي تتناسب مع المنصب الجديد أي بالتعبير الشعبي الدارج (صلعه وكرش ) فكلما كان الكرش كبيرا كان المنصب كبيرا أيضا . أما في الفترات التي أعقبت التغيير الذي حصل في التاسع من نيسان عام 2003 فقد تم إلغاء هذين الشرطين المجحفين والاستعاضة عنهما بان تتولى الحكومة الجديدة وعبر عشرات الخطوط الإنتاجية التي تبدأ بمجلس النواب ومجلس الوزراء والمستشارين والمفتش العام والوكيل الأقدم وغير الأقدم ولجنة النزاهة والمفوضية العليا المستقلة ومجلس القضاء ومجلس المحافظة والمجلس البلدي ومجلس الإسناد ومجالس الصحوات والى آخر مسلسل الحلقات التي لم نسمع بها من قبل أقول بان تتولى الحكومة إنتاج الصلعات والكروش في زمن قياسي لا يتعدى بضعة أسابيع فكم من شخص لم يحلم قط في حياته بان يكون شيئا في الحياة العامة ثم أصبح مسؤولا بضربة حظ واحدة ومن دون مقدمات في عراق العجائب والغرائب بعد أن باع نفسه لأحد الأحزاب اللابسة جلباب الدين فينتقل فورا من إنسان لا يمتلك عربة يجرها حمار إلى شخصية مهمة تتنقل بموكب و بعربة (مونيكا ) من احدث طراز ومن النوع الذي لا يسمح للناس أن يروه بينما يسمح له أن يرى الناس فضلا عن الحمايات والخدم والحشم والعبيد والجواري. وبعد ثلاثة أسابيع فقط ستجد الرجل قد برز كرشه إلى الأمام وانتفخت وحنتاه وراح يتكلم من انفه بعدما كان في الماضي متلعثما عاجزا عن الكلام .

وفي الأزمنة الغابرة كنا عندما نرى رجلا في الشارع او في الأسواق تظهر عليه علامات التقوى والتدين تنشرح قلوبنا ونبادر بإلقاء التحية عليه بتبجيل واحترام شديد تحديا للأنظمة الغاشمة أما اليوم فإننا عندما نرى احدهم فإننا لا نقول سرا إذا قلنا بأننا نصاب بالغثيان ونشعر بالدوار .

وحين تولى تلامذة المدرسة المحمدية من السنة والشيعة ممن عرفوا بالصلاة في أوقاتها مقاليد الحكم في عراق العجائب والغرائب بعد سقوط صدام حسين استبشر العراقيون خيرا وقالوا بان هؤلاء كانوا يعيشون في أوساط الشعب وفي أسواقه وبين فقرائه وهم يتفاخرون بحب علي ع الذي كان يحلو له الجلوس في دكان احد بقالي الكوفة ويبيع التمر نيابة عنه إذا غاب فليس من المعقول في هذه الحالة ان يخذلوا العراقيين ولذلك فسوف يجعلون من العراق جنة على الأرض بزهدهم وعدلهم وإخلاصهم ونزاهتهم وتعففهم وبياض أيديهم فهل حدث ذلك ؟

لقد تفاجأ العراقيون بان اغلب هؤلاء (المؤمنين ) الحاكمين اليوم لا يقلون قسوة واستعدادا لزج العراقيين في (قادسيات ) جديدة او في أنفاق مظلمة إذا اقتضت مصالحهم وساعدت تلك الأنفاق والقادسيات على تثبيت وجودهم وسلطانهم على الكراسي ولعل إعلان تشكيل حكومة ما يسمى (الشراكة الوطنية) من أسوا حقول الألغام وأكثرها دمارا لمستقبل العراق .

إن حقيقة الشراكة الوطنية في العراق اليوم هي تقسيم غير معلن لهذا البلد المبتلى بأبنائه إلى ثلاث دويلات هي الدويلة الشيعية والدويلة السنية والدويلة الكردية وبعد ذلك اتفق القائمون على هذا المشروع على تقاسم الكعكة العراقية فيما بينهم وفقا للكثافة السكانية ولكن سرعان ما اختلف الشركاء فيما بينهم على أحجام حصصهم وهذا ما يفسر انهار الدماء التي تسيل يوميا من العراقيين الايرياء والفقراء ممن لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري من عراك على المكاسب .

وإذا أراد السياسيون للعراق الخروج من هذا المأزق الكبير والمحنة المستحكمة فان هناك بوابتين لا ثالثة لهما لتحقيق هذا الهدف وهما إما إعلان تقسيم البلاد جهارا نهارا إلى دويلات عن طريق التفاهم والتفاوض بين ممثلي المكونات الموجودة اليوم بالحكم وإذا لم يحصل ذلك وهو الأرجح فان الاقتتال الشرس والمرير سيكون حتميا وسيكون ضحيته الأبرياء من جميع الأطراف وأما البوابة الثانية فهي صحوة الشعب العراقي من سباته وتحليه بالوعي الكافي لطرد أعلب أولئك الذين توافدوا علينا من وراء الحدود بعد نيسان 2003 وإعادتهم إلى مواطنهم الأصلية التي وفدوا منها فهل سيحدث ذلك ؟ لا أظن ذلك .