حوار

 

كيف لسُنّي وشيعي، يرى كل منهما الآخر كافراً، أن يتحاورا، من دونِ أن ينسفا فكرة بعضهما، ويواصلا النسف حتى تنتصر عقيدة على نظيرتها، الغريم.

أنا حائرٌ في الدعوةِ إلى الحوارِ؛ كما تُبذل يومياً أغنيةٌ هابطةٌ.

تصوير الحوار، بهذه الطريقة، إنّه حلٌ سحريٌ لمشكلاتِ البلادِ، بدءاً بالحرب الأهلية، وانتهاءً بها، سيجعله حوارا على شكل الحرب ونزفها.

هذا حوارٌ للحرب.

ثمة حوارات جديدة تتحولُ أخيراً إلى أغانٍ حماسية:

السُنّي، المعتدلُ، يحاور سلفياً. أهم ما في هذا الحوار أنه سيطول، فقط لأن التفاصيل معقدة. ولا يمكن لهما أن يتفقا على "سنّة".

الشيعي المعتدل، يحاور شيعياً أصولياً. أهم ما في هذا الحوار أنه سيطول، فقط لأن التاريخ المشترك معقد، حتى لو كان هذا تاريخاً للاضطهاد.

السلفي والشيعي الأصولي يقاتلان الشيعي والسُنّي، اللذين لا يتحاوران.

الشيعيُ والسُنّي، الآن، يخوضان حوار الحرب.

"فيس بوك" حوارٌ افتراضي، لكنه صادم، ربما لأنك ترمي الحرف بصوتٍ عالٍ في سوق مزدحم.

تكتب شيئاً في الميدان الافتراضي، تعرف أنك تحاور، أو ستخلق حواراً؛ كأنك تُنزِلُ الفكرة من بيتها إلى الشارع، تقوم بتعريتها أمام الجمهور.

وهاك حواراً.

يتخيل المرء أن اللوحة الرقمية تحميه من الحوار.

السنة والشيعة افتراضيون أيضاً. في "تويتر" ثمة حساب عنونه صاحبه بـ"شيعيٌ وأكره السُنّة"، وما أن تكتشف مداره الرقمي، ومن يتحاور معه، يظهر لك "السنة للأبد.. الرافضي إلى النار".

أقلُ ما في هذا الحوار "مواعدة" على قطع رقاب وألسن.

التكنلوجيا الحديثة تمنح للموت مسلخاً افتراضياً. والحوار بين السنة والشيعة على "التواصل الاجتماعي" يقطر دما.

أفضّل أن نعيد صياغة تعريف الحوار. قبل هذا علينا أن نفكر بالحوار الذي تبتكره السلطة، هي أظهرت قدرةً على أن تكون محدّثةً في الصياغة، فارتكست على النص القديم: الصلاة الموحدة.

طبعاً كشفت الصياغة عن نفسها حين راح الصحافيون يسقطون في الفخ: صلاة المالكي الموحدة.

المهم أن الذين يخرجون من المسجد الموحد، بعد الصلاة الموحدة، لا علاقة لهم بما يجري خارج ألف متر مربع تحيط بالجامع، ليس ثمة وحدة هناك.

ثم أن الحديث عن الوحدة يعزز فرص الحرب. الاعتراف بالهويات ووجودها بداية مشجعة للحوار.

مع ذلك، ما الصياغة الجديدة لتعريف الحوار؟ لِمَ لا تكون صفقة لتصفية التاريخ المشترك؟

الشيعة والسنة يحبون أن يُسمعوا بعضهم، الآن، اعترافا بالوجود.