تستيقظ مصر صبيحة هذا اليوم 30 حزيران، لتتوضأ وتؤدي صلاة الثورة والخلاص من حكم الإخوان الذي تسبب في تقزيمها وتراجعها وفقدان جمالها الذي كان يخطف الأبصار والعقول.. ومن ثم فما سيجري اليوم هو ليس انتفاضة ضد الفقر وغياب الخدمات فقط.. كما أنه ليس انتفاضة من أجل الإصلاح السياسي وتغيير وجوه الحكام.. بل هو ثورة شاملة لها هدف واحد، هو استعادة مصر من خاطفيها أصحاب مشروع "التكفير والهجرة".. ولهذا ضحكت وأنا أسمع محمد مرسي "يهرف" بكلام كوميدي من نوعية إن الذين سيخرجون لا يمثلون "مصر".. مثلما أراد المالكي أن يقنع العراقيين أنّ الذين خرجوا في تظاهرات شباط هم مجموعة من اللصوص والمتآمرين والخونة. اليوم سيعود ميدان التحرير ثانية ليكون عنواناً للغضب ضد أنظمة التسلط، يصنع فيه الشباب قدر مصر ومستقبلها، الشباب الذين صنعوا التغيير في مصر ودفعوا ثمنه، لكن الثمار جناها المتلونون والانتهازيون، فشباب مصر خرجوا ليقولوا لا للطغيان.. ونجحوا في إزاحة "فرعون مصر" حسني مبارك.. لكن ما الذي تحقق على الأرض؟ سجن مبارك وأبناؤه لكنّ نظامه بقي.. معظم قادة مصر اليوم هم نسخ مشوهة من مبارك.. مثلما ابتلينا في العراق بنسخ كاربونية من صدام ومقربيه، يزايدون على أحلام الناس البسطاء، بل إن العديد منهم بدأ يمتطي الديمقراطية من أجل تحقيق حكم "الزعيم الأوحد". للأسف بعد أن ثار الشعب وقدم عشرات الشهداء يفاجأ بأن الذى تغير هو الواجهة والقناع، لكن القلب المتعفن لا يزال حياً، وأن هؤلاء اللصوص لديهم القدرة على التلون مثل الحرباء، وهم قادرون دائما ــ باعتبارهم قرقوزات ــ على إقناع الناس بأن التغيير تحقق.. لكنهم في الخفاء يخططون لإعادة إنتاج النظام السابق، لكن بوجه مختلف. ثانية يخرج شباب مصر من دون مكبرات صوت ومن دون وصايات، فالشباب الذين احتلوا الساحات والطرقات لم تحركهم عقائد وأحزاب محنطة، ولا سياسيون يركبون الموجة، ولا شعارات زائفة، شباب مصر لا يسعون إلى سلطة، لكنهم ينشدون العدل والحرية، ثورة على الظلم الذي يريد أن يكمل به مرسي ظلماً امتد لعقود طويلة، وأصاب أكثر من جيل من أبناء مصر. انتفاضة تنتقم للآباء المقهورين والعاجزين. تنتقم من القمع القائم على شعارات مزيفة، انتهت إلى تحريض بائس على الطائفيّة، ومن التسلّط الطبقيّ الذي رمى بالفقراء خارج اهتمامات الدولة، ومن الفساد الذي استباح كلّ شيء، لإثراء سياسيين سيتساقطون حتماً تحت ضربات الشارع ولا يجدون من يؤويهم سوى العودة إلى جحورهم، انتفاضة شباب مصر الشجاعة ستكسر حاجز الخوف في المجتمعات العربية، وستعطب فاعلية القمع الأمني، وهو أمر سيشجع حتما شعوبا عربية أخرى على الانضمام تدريجيا إلى الاحتجاج للمطالبة بحقوقهم. شباب مصر اليوم ينادون بمطالب لا يمكن لأي وطني أن يجادل في عدالتها وشرعيتها، فهم ونحن جميعا معهم، يريدون تغييراً نحو الأفضل وحرية غير مشروطة وعدالة اجتماعية ومحاربة الفساد والمفسدين، وتقليص الهوة بين الأغنياء والفقراء. أسقط شباب مصر الشجعان، أوهام النظم الدكتاتورية التي كانت تعتقد أن باستطاعتها العيش بعد أن تحولت إلى مومياءات تنظر ولا ترى. تنصت ولا تسمع. تلمس ولا تحس. لا قلب ينبض ولا عروق ولا حياء، أنظمة لاتزال على جبروتها، ضعيفة تدّعي القوة. منهارة توحي بالتماسك. أنظمة لن يفلح معها الخطاب الأخير للحفاظ على عرش الحكم حتى اللحظة الأخيرة، حتى الطائرة الأخيرة، حتى النفَس الأخير. هذا دأب الدكتاتوريات،لا توجد في قاموسها عبارة الخروج من الحكم،فهم لا يعرفون سوى كلمتين:الكرسي أو القبر. أياً كان الأمر، فإن انتفاضة مصر اليوم، هي إبداع شعبي صرف، لا فضل لأحد فيه إلا المواطن المستلب، شابا أو طفلا أو شيخا، رجلا أو امرأة، بعيدا عن أية أجندات حزبية أو عقائدية. فالذي حدث باختصار هو ثورة شاملة لها هدف واحد هو استعادة الحياة واستعادة البلدان التي سرقتها عروش الأباطرة " من أحزاب الإسلام السياسي ". مصر التي سنسمع صوتها اليوم هي نفسها التي كسرت القفص في عصفور يوسف شاهين لينطلق صوت أبنائها عالياً يغنّي مع أحمد فؤاد نجم: مصر يامه يا بهية ياأم طرحة وجلابية الزمن شاب وانتِ شابة هو رايح وانتِ جاية اليوم نشارك أشقاءنا في مصر بالرغبة في بناء دولة لا تذكّر بجمهورية التسلط، وتحركها روح ثورة لا تهدأ إلا بتكسير أبنية السلطة القديمة. سلطة الملتصقين بالكراسي، مبعوثي العناية الإلهية، اليوم السؤال لكل حاكم: هل أنت ناجح أم فاشل؟ وليس هل أنت المنقذ من الظلال؟ هل ستختفي البلد لو غادرت الكرسي؟ هذا هو هدف بناء مجتمع حديث. و أظن أنه بعد 30 حزيران فإننا جميعا بانتظار أن يخرج سياسيو الصدفة ليقولوا للناس "لقد خدعناكم".
|