كدعواك كل يدعي صحة العقل

 

نفاخر بان اجدادنا هم اول من ابتكر حروف الكتابة التي اسست لحضارة البشر اليوم ، فيما الجهل المطبق يلف بلداننا من اقصاها الى ادناها والأمية ضاربة في اعماق نسيجنا الاجتماعي . ونفاخر بان ارضنا دارت فيها اول عجلة ارست فيما بعد دعائم الصناعة الحديثة ، فيما نحن نستورد كل شيء ومن بلدان نكاد لا نسمع باسمائها ، من يشماغ الراس الى قنينة مياه الشرب . ونفاخر باننا اول من وضع دستورا ينظم علاقات البشر ، فيما نحن ، شعوبا وحكومات ، ابعد الخلق طرا عن الالتزام بالقانون ، خاصة اذا ما شعرنا بان مفردات هذا القانون تتعارض مع ابسط حرياتنا ، حينها سيركل وهو و واضعوه كما تركل كرة القدم في حارات المعدمين . ونفاخر بان اول مدينة مسكونة ظهرت الى الوجود كانت على اراضينا ، فيما تسبح مدننا في مستنقعات التخلف والبدائية من كل ناحية ، بدءا من المجاري وليس انتهاء بتنظيم الشوارع والمرور . ونباهي الامم بان ترابنا هو الاطهر والازكى والانقى لان حُبيباته استقبلت وطأة اقدام اشرف الانبياء والرسل بمن فيهم الخاتم محمد "صلى الله عليه وعلى آله وسلم" ، فيما نحن لا نعبد الله – اذ نعبد - الا بحدود الصفقة التي تدخلنا النعيم المقيم وتنأى بنا عن شواظ الجحيم . ونفاخر بان القران نزل بلغتنا وقد حاور منزلُه الشيطانَ الرجيم ، لكننا بعد مرور اربعة عشر قرنا لا نحسن حتى محاورة انفسنا بله محاورة الآخر، وتظهر للعيان هزيمة المتحاورَين في اول مواجهة . ونفاخر بان عليا بن ابي طالب منا ، فيما لم يبق من تراث هذا المخلوق الاسطوري الا الاحتفاء بولادته ورحيله بالاهازيج واللطم ، وكأنه عاش يومين فقط ، يوما في الكعبة حيث ولادته ، وآخر في الكوفة حيث أغلق باب العدل وراءه والى الابد . ونفخر بان افضل مدارس اللغة والنحو والصرف التمعت اشعاعاتها الحضارية من حاراتنا ، فيما اصبح من المتعذر او الشاق على واحدنا اكمال سطرين متتالين تراعى فيهما حرمة اللغة و قواعد النحو واحكام الصرف . ونزعم ان خيرة شعراء العربية اشرابت اعناقهم من رحم ارضنا ، فيما اجيالنا باتت لا تميز بين ابي الطيب البزاز مبدع الزمان و قلادات التكريم ، وابي الطيب المتنبي مبدع قلائد الشعر و واحر قلباه . أهون شيء على اللسان ان ينتسب حامله لسبعة الاف سنة حضارة انجبت فيما انجبت العجلة والمسلة والمدنية والانبياء والكرار واللغة والادب ، لكن الصعب المستصعب تمثل كل هذا العطاء او حتى جزء منه واستحضاره في انفسنا . رحم الله القائل : كدعواك كل يدعي صحة العقل ... ومنذا الذي يدري بما فيه من جهل ... انه ابو الطيب صانع قلائد الشعر وليس قلادات التكريم المفخخة .