اجتثاث "أبناء الآفة "

 

في العراق عشرات الأحزاب الدينية ، وبعضها يشغل مقاعد في مجلس النواب ، ومنها من يعد طرفا رئيسيا في الحكومة الحالية ، فضلا عن امتلاكها قاعدة شعبية ، واستنادا إلى حقيقة أن الحزب الديني وانطلاقا من عقائده يمتلك القدرة على كشف الحرام والحلال ، والتفريق بين الحق والباطل ، فضلا عن تسخير كل جهوده وإمكانياته لنصرة المظلومين ، والدفاع عن
حقوقهم كجزء من رسالته ، فالأمر يعني أن العراق خال من الفساد وتلك الأحزاب اقتصر دورها على الإرشاد ، وحث الاتباع على التمسك بدينهم ، والتخلي عن ملذات الدنيا فهي دار بلاء وفناء، فيما يعاني العراقيون منذ سنوات مشاكل مستعصية من ابرزها ما يتعلق بالملف الأمني ، وتراجع الأداء الحكومي في تقديم الخدمات ، وانشغال ممثلي الشعب في البرلمان بسجال لم ينقطع ، حول مشاريع قوانين معطلة .
وجود عشرات الأحزاب الدينية في الساحة السياسية في العراق ، يعني أن البلد خال من الفساد المالي والإداري ، وجهازه التنفيذي نزيه ، لان اغلب الموظفين الحكوميين أن لم يكونوا منتمين لقوى دينية فهم من اتباعها ، أو مؤيديها ، الأمر الذي يعني أن العراق لم يرد في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم .
يوم الثلاثاء الماضي أقام الوقف السني بالتعاون مع هيئة النزاهة مؤتمره السنوي الثالث لمكافحة الفساد لبحث دور رجال الدين في القضاء على آفة الفساد المالي والإداري ، بعدما أعلنت وزارة التخطيط أن نسب الفساد في الدوائر الخدمية في العاصمة بغداد "متقدمة جدا" بمعنى أن "الآفة" انتقلت من الأساطير وحكايات العجائز ، وأفلام الكارتون إلى الدوائر المعنية بتقديم الخدمات ، وأثناء كلمة القاها في المؤتمر عضو لجنة الأوقاف الدينية في مجلس النواب العراقي وليد المحمدي، انتقد كثرة الجهات الرقابية من دوائر المفتش العام في الوزارات وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة، معربا عن، استغرابه الشديد من كثرة الفساد المالي والإداري كلما زادت المؤسسات الرقابية داعيا رجال الدين ، إلى اعتماد التوعية الجماهيرية بمخاطر الفساد بوصفه الإرهاب الأول في العراق .
اكثر ما يثير الاستغراب في التعاطي مع ملف الفساد في العراق بحسب المعنيين بهذا الشأن أن الجهات المعنية تكبلها تشريعات قديمة في التعامل مع المسؤولين المتهمين بملفات فساد ، وإجراءاتها تطال الموظفين الصغار ، في حين تخشى الاقتراب من "أبناء الآفة " فاستطاعوا مغادرة العراق بجوازات سفرهم الأجنبية والإقامة في عواصم خارجية ، على الرغم مما يعلن في بعض الأحيان بإمكانية الاستعانة بالإنتربول لملاحقة المتهمين وتقديمهم للقضاء .
"أبناء الآفة " المتورطون بالفساد ، معظمهم كان يدعي انه قيادي في حزب ديني ، وعودته إلى العراق بعد العام 2003 لغرض تحقيق العدالة وإرساء قاعدة بناء دولة المؤسسات ، ورفع المظلومية عن الشعب العراقي وإنقاذه من معاناة استمرت عشرات السنين ، وعندما تولى المنصب وتشرف بحمل حقيبة وزارية ، جعل العراق ينافس الصومال في تصدر قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم ، ولذلك الأحزاب الدينية قبل غيرها مطالبة اليوم باجتثاث "أبناء الآفة " لتوكد على ارض الواقع أنها جادة فعلا في مكافحة الفساد .