العراقيون لم يكترثوا لمقتل مدرب نادي كربلاء، محمد عباس.
هل هذا صحيح؟
ربما صحفيون، ومدونون في مواقع التواصل الاجتماعي، وناشطون مدنيون، كتبوا في استنكار ما قامت به قوات "سوات"، حين هشّمت رأس المدرب وقتلته، بعد أحداث مباراة في كرة القدم بمدينة كربلاء.
الحق أن ما بيدهم من حيلة سوى أن يكتبوا لتحريض الناس على فعل شيء ما.
سوى ذلك، لم تخرج تظاهرة في بغداد، أو كربلاء، للاحتجاج على "سوات"، أو في الأقل لمحاسبة من ارتكب جريمة قتل لمدني أعزل.
نادي السليمانية الكردي أضرب عن الدوري المحلي، بينما أندية أخرى في بغداد لا صورة ولا صوت، ولا هم يحزنون.
المهم أن الحدث لم يمر من دون أن يحرق المثقفون العراقيون أعصابهم، لنعي عباس، أو تقريع ضباط وجنود من "سوات" على ما اقترفوه، لكن خبر الاعتداء عليه كان من المفترض أن يقود المجتمع إلى:
اعتصام ومخيمات ولائحة مطالب، ومتحدثون باسم المعتصمين المناهضين للقتل وامتهان حق الحياة، وإن تطلب الأمر لجان "تنسيقية" لحقوق الإنسان.
دعاوى قضائية، وطعون، وشكاوى عند المحكمة الاتحادية والتمييز، لمحاسبة الجنود على تكسير جسد الرجل، حتى قُتل.
مسيرات مليونية تقيم التشييع الرمزي للضحية.
الحكومة تعلن الحداد، ويخرج الرئيس حزيناً، يعتذر للناس.
أن يقود إلى شيء يشعر الرأي العام بأن في العراق ضمائر حية.
ضمائر حية؟
هذا كلامٌ فوقي للغاية، والأفضل لمن يقرع الناس أن يجد لهم مبررات موت أرواحهم، وبرود دمهم العجيب هذا.
ربما إن سنوات العنف، تكفلت بجعل العراقيين بقلوب ميتة. ألم نقل إن الذين يموتون بمرض ما، حتى لو كان سرطاناً أهون كثيراً من أن يتقطع أوصالاً في مفخخة أو عبوة، أو أن يقع تحت رحمة ملثم ينحر الرقاب.
***
لاحظوا ما ظهر في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" منذ حادثة الاعتداء على المدرب عباس: ماذا لو كان جنود قوات "سوات" من السنة، لقامت الدنيا ولم تقعد. أو أن عباس هذا سني رماه الدهر ليدرب في كربلاء، حتى قاده حظه الطائفي العاثر عند ملعب في سوات من الشيعة، فقتلوه.
هذه اللغة تصنع خمسين انتحارياً كل دقيقة.
لكن هل حقاً الشيعة، النخبة منهم، إزدواجيون حين قتلت "سوات" الشيعية عباس، المدرب الشيعي، في المدينة المقدسة عند الشيعة، ولم يحدث أن احتج أحد، لأن القضية تداولها القوم في ديارهم.
في الحالتين، سنياً كان عباس أم شيعياً. فإن الذين سيكتبون عن حماية حقوق الإنسان سيذكرون التالي:
هذا شغب ملاعب، لا تحملوه فوق طاقته، وتجعلوه مناسبة للحشد الطائفي، والبلد "ما ناقصة".
في هذا سيكون مقتل عباس حدثاً ثانوياً، لأن الأولوية لتهدئة النفوس الحية، التي تريد أن تموت في حرب طائفية، شاءت أم أبت.
في النهاية سيبحث رجال المصالحة عن عشائر سنية وشيعية، ويفتتحون في ملعب كربلاء، موقع الحادثة المؤسفة، مؤتمراً للمصالحة. وأهم شيء التقبيل بين الشيوخ. أما الصحافة الرسمية وشبه الرسمية فتعرض قصصاً عن المصاهرة بين عائلات شيعية وسنية، تأكيداً لعدم طائفية مقتل المدرب.
ليس المهم مقتله، الأهم أن نثبت لأنفسنا أن ثمن حياته لم يكن على فاتورة الحرب الطائفية!
***
محمد عباس: الحمد لله إنك مُتَّ قبل أن تقرأ هذا المقال.
|