مارس النظام الدكتاتوري والفاشي لحزب البعث العربي الاشتراكي بأساليبه وأدواته سياسات عدوانية ضد الشعب العراقي عموماً, كما انه مارس عمليات التغيير الديمغرافي ضد مناطق الكرد ومناطق المسيحيين وغيرها بالعراق بصور شتى وأجرى تغييرات واسعة في حدود المحافظات وأسماء الألوية والأقضية السابقة, إضافة الى تحويل صنف الأرض من زراعية إلى سكنية ليتم بيعها لمن يشاء, كما أجرى تهجير وتنقلات سكانية واسعة في تلك المناطق مما خلق مشكلات كبيرة ومعقدة ما يزال يعاني منها العراق في الوقت الحاضر, وسيبقى يعاني منها لفترة غير قصيرة قادمة, وهي مشاكل معبئة بالألغام التي يمكن أن تنفجر في كل لحظة. ولو عدنا إلى التقسيمات الإدارية لعام 1962, أي في العهد الجمهوري الأول, وقبل بدء التغييرات التدريجية والواسعة في الجمهورية البعثية – القومية (شباط 1963-تشرين الأول 1963) وفي الجمهورية القومية الأولى (تشرين أول 1963- تموز 1968), ومن ثم في الجمهورية البعثية الثانية (1968-2003), لوجدنا بوضوح حجم وسعة تلك التغييرات الحاصلة التي ساهمت في خلق المزيد من المشكلات وعقدت الأوضاع. وغالباً ما كانت تلك المشكلات مقترنة بكوارث ومآسي إنسانية فعلية مدمرة, وخاصة التهجير القسري وانتزاع الأراضي والقتل. ولا يمكن حل هذه المشكلات المتراكمة إلا عن طريق سلمي وديمقراطي في ظل حكومة مدنية ديمقراطية واعية تدرك أهمية إعادة الأمور إلى نصابها ولصالح مكونات الشعب العراقي القومية كافة وبعيداً عن التمييز والفساد والتجاوز. واليوم وبعد سقوط الدكتاتورية الصدامية, ماذا يجري بالعراق؟ هل أزيلت آثار تلك السياسات العدوانية ؟ لا أتحدث هنا عن التهديد بالقتل والقتل الفعلي والتفجيرات الواسعة والتهجير الواسع وتدمير المساكن وحرق الكنائس والجوامع والمساجد وبقية دور العبادة لأتباع الديانات والمذاهب بالعراق, لا أتحدث عن التمييز في التعامل إزاء مكونات الشعب العراقي القومية وإزاء أتباع الديانات والمذاهب بالعراق, ولا أتحدث عن الاغتيالات بكواتم الصوت والقتل على الهوية مجدداً بالعراق, فهذا كله معروف للناس إذ يعيشونه يومياً. فلا غرابة من أن نسمع بأن عدد قتلى العام 2012 وحده بلغ 14 ألف شهيد على وفق تقرير الأمم المتحدة, وهو أكثر من ذلك بكثير, فكيف الحال مع العام 2013؟ أوليس غريباً في ظل هذه الاوضاع أن يكون عدد المهجرين والمهاجرين من العراق حتى الآن قد بلغ أكثر بكثير مما كان عليه الوضع في زمن الدكتاتور صدام حسين وحزبه ونظامه الدموي, إذ تجاوز 4,5 مليون عراقية وعراقي. ولكن ما أريد الكتابة عنه في هذه المقالة يدور حول عملية التغيير الديمغرافي الجارية منذ ايام النظام البعثي وما تزال مستمرة بأساليب مختلفة, وهي عملية موجهة في الغالب الأعم ضد عائلات مواطناتنا ومواطنينا من أتباع الديانة المسيحية بالعراق, كما يجري ذلك ضد العائلات الإيزيدية في محافظة نينوى. إذ إن هناك محاولات جادة للزحف المنظم وغير المشروع على القرى والنواحي والأقضية التي كانت تاريخياً وما تزال مناطق يسكنها المسيحيون. علماً بأن عمليات التهديد والقتل والتهجير والتفجيرات ...الخ كلها تساعد على تنفيذ عمليات التغيير الديمغرافي للسكان. لقد عمد النظام السابق إلى أسلوب إطفاء الأراضي الزراعية في قرى ونواحي وأقضية المسيحيين لغرض تحويل صنفها من زراعي إلى سكني. وتتم هذه العملية بالرغم من إرادة سكان المنطقة وضد مصالحهم وبدون تعويض يذكر. وحين يتم التعويض فيكون رمزياً مما دفع الأهالي إلى رفض تسلم مبلغ التعويض. وكان النظام السابق يوزع تلك الأراضي التي تم إطفاؤها على رجال المخابرات والأمن وحاشية ومريدي النظام ورأسه. وكان هذا الإجراء يعني دخول أناس من مناطق أخرى, وأغلبهم من المسلمين إلى مناطق المسيحيين. والوثائق تشير إلى بيع تلك الأراضي على سبيل المثال لا الحصر الى جماعات من الشرقاط والقيارة وربيعة ليأتوا ويبنوا مساكن لهم في تلكيف والحمدانية مما جلب ذلك معه الكثير من المشكلات الاجتماعية. وإذ تم إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة على عموم العراق في ما عدا محافظة نينوى التي التزمت حتى الآن بتطبيق مضمون قرارين سيئين هما القرار 111 لسنة 1995 والقرار 117 لسنة 2000, وهما يعنيان الاستمرار بإطفاء الأراضي الزراعية وتحويل صنفها إلى أراض سكنية وتوزيعها على مستفيدين من مناطق أخرى ومن غير المسيحيين. وبخلاف ذلك تقريباً يجري في إقليم كردستان العراق حيث تقوم الحكومة بإطفاء الأراضي الزراعية وتحويلها إلى أراضي سكنية, ولكنها تمنح مالك الأرض قطعتين سكنيتين, وتوزع البقية على من تريد. وكان هناك قرار حكومي بمنع توزيع أراضي عنكاوة (المسيحية الطابع)على غير المسيحيين, ولكن جرى الالتفاف عليه إذ بدأ التوزيع على شركات أجنبية ومحلية, وبالتالي امتلأت عنكاوة اليوم بغير المسيحيين أيضاً. كيف تجري عمليات التغيير الديمغرافي منذ سنوات؟ تباع أراضي واسعة في مناطق كانت وما تزال منذ قرون تعود للسكان المسيحيين مثل سهل نينوى ومناطق في دهوك لأشخاص وهيئات وقوى إسلامية عراقية من مناطق مختلفة في سهل نينوى ودهوك وعنكاوة؟ يتم ذلك عبر شراء دور المسيحيين بأسعار باهضة وخيالية من عائلات فقيرة أو يجري شراء أراضي زراعية تعود لعائلات فقيرة بأسعار عالية جداً لا يستطيع أهالي المنطقة دفع أثمانها. كما تجري عملية بناء مساجد وجوامع وحسينيات في منطقة برطَّلة وغيرها ومن قبل أحزاب إسلامية سياسية. وقد ورد اسم رئيس حزب إسلامي في العراق" في موضوع بناء جامع هناك لصالح الشبك, في حين هو قادر على بناء مثل هذا الجامع في منطقة الشبك ذاتها. إننا هنا أمام تجاوزات فعلية لا تمارس الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان موقفاً صارماً منها لصالح هذه المناطق وسكانها الأصليين, وبالتالي تساهم في دفع الكثير منهم إلى الهجرة, رغم إن حكومة الإقليم قد استقبلت الكثير من المسيحيين الذين هددت حياتهم في بغداد ومناطق الوسط والجنوب (وتعرضت) إلى الخطر وقدمت لهم بعض المساعدات الأخرى. ولكن هذه مسألة وقضية التجاوز على مناطق سكن المسيحيين مسألة أخرى مدانة دولياً. ولقد عانى الكرد من هذه الحالة في ما مضى وما تزال تلك القضايا شائكة ولم تحل حتى الآن. إن الوثائق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات القومية والدينية (كما يطلق عليها في تلك الوثائق الدولية) تدين عمليات التغيير الديمغرافي المتعمدة في مناطق القوميات وأتباع الديانات الأخرى في العالم. وما يجري بالعراق يقع تحت حكم وطائلة هذه الوثائق الدولية الرافضة لما يجري في سهل نينوى ودهوك. إن هذه الحالة التي جرت وتجري منذ سنوات لا بد من إيقافها وإعادة الأوضاع إلى نصابها وسابق عهدها, وإلا ستخلق مشكلات إضافية لشعبنا بكل مكوناته وهو ما يزال لم ينته من معالجة المشكلات السابقة. ولهذا السبب تشكلت لجنة تحضيرية عليا ولجنة تنفيذية للتحضير لمؤتمر أطلق عليه "مؤتمر أصدقاء برطَّلة" من المزمع عقده في الأشهر القريبة القادمة من هذا العام (2013) في إقليم كردستان العراق وستشارك فيه نخبة واسعة من العراقيات والعراقيين من الداخل والخارج وشخصيات أخرى تناضل ضد ممارسة مثل هذه السياسات على الصعيدين الإقليمي والدولي يأخذ على عاتقه تشكيل منظمة تسعى لإيقاف هذا التغيير الجاري وبالتعاون مع الحكومتين الاتحادية والإقليم وإعادة ما حصل قبل ذاك لصالح العائلات المسيحية والحفاظ على وجودهم في مناطقهم وعدم الزحف عليها وتهجير سكانه وإحلال عائلات مسلمة أو بناء مساجد وجوامع وحسينيات مكانها. إن أراضي المسلمين واسعة بالعراق ومن يريد أن يبني دوراً للعبادة فليبنها أينما يشاء دون التجاوز على أراضي المسيحيين ومناطقهم التاريخية. إن وجهة عمل مؤتمر أصدقاء برطلة تؤكد على ثلاث مسائل جوهرية هي: 1. إيقاف عمليات استيلاء وإطفاء الأراضي الزراعية وتحويلها إلى أراض سكنية في مناطق المسيحيين والإيزيديين في سهل نينوى ودهوك وعنكاوة وغيرها. 2. رفع التجاوزات والتغييرات التي حصلت في مناطق سهل نينوى على وفق منطوق المادة 140 وتلك التي حصلت في إقليم كوردستان(كردستان)؟, وخاصة في دهوك وعنكاوا. 3. الابتعاد عن أي إجراء يراد به تغيير ديمغرافي سكاني لمناطق المسيحيين والإيزيديين أو بناء جوامع ومساجد في تلك المناطق. ولهذا, فإننا نهيب بالمسؤولين في الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في أن تتخذ الإجراءات الكفيلة لإيقاف هذا الزحف غير المسؤول وغير المشروع والمؤذي للعلاقات الإنسانية والاجتماعية بالعراق, إذ إن حملة عالمية, ومنها دول الاتحاد الأوروبي, في طريقها إلى النهوض ضد هذه السياسات. ليقف الشعب العراقي كله ضد سياسات التغيير الديمغرافي لمناطق المسيحيين, كما يفترض أن الدفاع عن الصابئة المندائيين الذين هُجّروا بذات الطريقة من مناطق سكناهم بالعمارة والبصرة وبغداد وغيرها. ولنشحذ الهمم ولنعبئ الطاقات والقوى المخلصة من أجل إنجاح هذا المؤتمر وتحقيق اهدافه النبيلة, والتي تصب في المحصلة النهائية لصالح الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية. |