البشرية فشلت في إقامة العدل والسلام , وإشاعة روح المحبة والوئام. وتؤكد فشلها كل يوم , وتعززه بقدرات الفتك والدمار , والخراب المتواصل على الأرض , والقتل المتعاظم والغير مبرر. فأصبح السلوك البشري السلبي هو السائد. سلوك الغضب والبطش , والتهديد والوعيد , واستخدام القوة كخيار أول ووحيد , ومصادرة حق الحياة والحرية والتملك والكلام من معشر الأنام. وكأن البشرية تسعى إلى حتفها بجد واجتهاد, وتقلب قوتها عليها لتحيلها إلى رماد , وما عاد هذا الأمر ببعيد. البشرية المهووسة بقوتها وثرائها الفاحش , وفقرها المدقع , وجوعها الأليم , وغضبها المستقيد, ستصنع حتفها السعيد , وستتخلص الأرض من أفاعيلها المخزية , ومرامي شرورها وأكاذيب مساعيها. البشرية تسير في طريق الإنحدار إلى حيث الفناء والدماء والإنتهاء. إنها تمضي بطاقات العقول والأذرع والنفوس الأمارة بالسوء. وتراها لا تتوانى في تأكيد الجبروت والتسلط والإستبداد والإجحاف , ودفن الآراء في مقابر جماعية مع أصحابها , وخنق الحرية في سجون الإمتهان المقيتة. البشرية تتلذذ وتتفنن بالعذابات الفردية و الجماعية. والدين في عرفها وسيلة للفتك والحرب , وسببا قويا للإبادة المليونية للمخلوقات الآدمية. والفكر عندها محنة , وتنور ترمى فيه أشلاء الناس , فيتلذذ برائحة شوائها الساجرون الحمقى , والأدعياء والقائلون بما لا يفعلون. البشرية الملثمة بالحقد والإنتقام , وبمفردات الشرور والإذلال والهوان. أخذت على عاتقها بذر الرذائل , وقتل الفضائل , وتدمير الأحياء , وامتهان الأموات , وصناعة موائد الشدائد , ومهرجانات العذاب والويلات والأحزان. وتسمي ذلك بطولات وإنتصارات, وتستخرج له مسميات من قواميس شرورها وبهتانها , لكي تبرر أفعالها المشينة. فالدمار والفتك من ضرورات السلام , والظلم من دواعي العدل , والإستبداد والقهر وكتم الأفواه من مرتكزات الإستقرار. أما الحروب الأهلية والدمارات الإجتماعية , فأنها من أعمدة الحرية والديمقراطية. وما عرفت البشرية شيئا إسمه الحرية أو الديمقراطية , إلا وفقا لظروف وخصوصيات تؤكد غيابها لدى الآخرين. البشرية التي إن وجد العدل في مجموعة منها فعلى حساب ظلم مجموعة أخرى. وإن وجدت الحرية فيها , فعلى أكتاف مجموعة بشرية أخرى , تعاني القمع والاستبداد. وإن وجد الثراء لدى فئة ما, فإنه يكون على حساب إفقار واستلاب مجموعة أخرى. والكثير من أمثال هذا وذاك , وغيرها يتحقق على مسرح الأرض , العائم في كون سحيق الأبعاد. أما الأجرام الأخرى ومَن فيها , فأنها ترنو إلى هذه المهزلة الدموية على سطح الأرض , المبتلى بأهله وهي تردد: "سفك الدماء من طبع المخلوقات الأرضية" , المحقونة بالدماء والسوائل , التي إذا توقف جريانها في عروقها فأنها تموت. فالمخلوق الأرضي مخلوق سفاك وسفاح! تأكله الأرض لتبقى! وتشرب دماءه لتدور!! ولن يتغير طبعه , كما أن الأرض لن يتغير طبعها , وتبقى مطحنتها تدور وتدور!!
|