قتل المدرب.. ومن الخجل ان نعاتب ..!!

 

قديما قالوا ((ان كنت لا تستحي فافعل ما شئت )).. القائل لهذا القول لم يقله اعتباطا ، ولا عن فراغ ، بل كان على بينة من النفوس الدنيئة الخارجة عن المألوف ، واصحاب خلق يشمئز البشر التقرب منه  ومن افعاله ، ولهذا نجد ان الناس بفعل معرفتهم بأفعال هذا النوع من البشر يتجنبون الاختلاط  ، بل وحتى السلام عليهم الذي خصه الله كوسيلة  للتعارف والتواصل على مبدأ ((ابعد عن الشر وغنيله)) ...

ولهذا حين كنا نتجنب عناصر النظام السابق  الموبوءة بداء الحقد وكراهية البشر اجمعين ،   كنا نعلم جيدا ان التربية التي يتلقونها من مراجعهم العليا هي امتداد  لتربيتهم البيتية التي نشؤا عليها ، وبسببه كان العقلاء يحذروننا منهم باعتبار ان فلانا لا عتب عليه لأنه ابن فلان أو ابن فلانه ، خصوصا ايام الحرب مع ايران وعند اشتداد حملات البحث عن الهاربين من اداء الخدمة العسكرية ، والكيفية التي يعاملون الهارب حين يقع  بين اياديهم القذرة ، ولا زلت اتذكر ذلك الشاب الجميل الذي تأخر بسبب مرض والدته يوما واحدا  من الالتحاق بوحدته العسكرية وكيف انهالوا عليه بالضرب المبرح با العصي وبالركلات من كل صوب مما سبب في فقدان وعيه تماما ، وحملوه كجثة هامدة ووضعوها في السيارة العسكرية ((ايفا)) دون  رحمة بحاله ،

ربما يسالني سائل ..العتب على من..؟؟ هل العتب على القوة العسكرية الغاشمة ، أم على مراجعهم العليا ..؟؟  الاجابة على هذا السؤال ليست بذات صعوبة لان السلوكية المنحرفة التي اعتمدها النظام كانت محصورة في اذلال الانسان العراقي وكبت صوته والاساءة الى كرامته بهدف احتوائه من كل جانب واخضاعه للأمر لغلق باب الشعور بإنسانيته ، وهذا يعني ليس من المعقول ان يستغرب الانسان بسلوكية شلة منحرفة هي التي اختارت  لنفسها ان تكون ذات شأن منحرف في نظام منحرف مسيء ، لهذا انه من الخجل ان نعاتب ضالا لا يختار لنفسه الهداية ، والمثل العراقي الدارج يقول((اش تترجى منه))...

 وألان سنوات العشر من عملية تحرير العراق كشف الغطاء على الجميع ، ولم يعدا هناك شيء مخفي ، ولم يعد هنالك من  مخاوف لتحديد سلوكية البعض خصوصا وان الاغلبية من الذين عادوا للعمل في اجهزة الدولة ((الحساسة)) للأمن  والمخابرات هم من ((رفاق)) الامس ومن حملة شعار ((اذا قال صدام قال العراق)) ، وهي مسالة ليست بحاجة الى ادلة وبراهين ..!!

ومن هنا أعتقد جازما ان ما حصل مع المرحوم محمد عباس مدرب نادي كربلاء الرياضي لا يخرج من هذا الاطار ، فكل الاعذار تسقط بمجرد اعادة بث مقاطع الشريط التلفزيوني للحدث الكارثي الذي ارادت قوات ((سوات)) ان ينقل للشارع صورتها الحقيقية ، وعادت لذاكرتنا ذلك المشهد المخيف لذلك الشاب الذي لم يرتكب جريمة ، ولكن المجرمون ارادو له ان ينتزع منه كرامته بهذا الاسلوب ، والتي ارادت ايضا هذه القوات أن تلمح بإشارة واضحة انهم  كذلك لا يخجلون من فعلتهم ، ولا يقيمون وزنا وحجما للإنسان ، ولا يهتمون من ثورة المشاعر الانسانية  والاستنكار التي امتلأت بها الشارع العراقي ، لانهم نشئوا وترعرعوا في بيئة ليروا الناس صغارا ،  وهذا بحد ذاته مؤشر خطير على ان تلك القوات نشأت لتقتل الديمقراطية في العراق ، وتكون مطرقة فولاذية تسحق ما يقف بطريقها على اسس النزعة التسلطية باعتبارها قوات لا تخضع الا للمراجع الكبيرة التي تأمر وتنهي حسب اهواءها ، وهي اداتها لقمع  كل صوت مختلف مع اصواتها ...

لذلك فان استشهاد محمد عباس بهذه الطريقة البشعة  فتح الباب امام البرلمان ان كان باستطاعته ان يلملم نقسه باتجاه عقد جلسة طارئة لدراسة ملابسات الجريمة ، لأنها ليست بجريمة عادية ، بل هو انتهاك صارخ لحقوق الانسان حتى وان كان محمد عباس متهما بجنحة أو جناية ، فالطريقة التي اعتمدتها هذه القوات في تعاملها مع هذا المسكين هي الجريمة بعينها مهما تشدقت اصحابها  بالمهنية وحق التصرف بهذه الوحشية مع حالة  التي ما كانت تستوجب بالأساس ان يكونوا  بهذا القدر من القسوة المجردة من المعايير الانسانية والاخلاقية.....

لقد كشفت عملية قتل مدرب نادي كربلاء الرياضي القناع عن وجه هذه القوات التي تدعى بالسوات ، وعن اسباب تشكيلها الغير الدستوري وغير قانوني ، والتي تفرض نفسها بالقوة اينما حلت  دون الكشف عن الغاية من وجودها ، وهم يذكروننا واقولها بأسف بعناصر الأمن والمخابرات أيام فترة النظام البائد  الذين كانوا يحضرون كل الوقت وفي كل مكان ، وبحضورهم ينتهي دور كل المؤسسات العسكرية والامنية الأخرى ، لانهم مختلفون تماما من حيث الاختيار من قبل مراجعها الخاصة عن الاخرين في الملبس والتسليح بل وحتى السيارات التي كانت لها طابع مخيف تزرع الخوف والهلع في قلوب الناس  ، لان غاية النظام  وتفكيره كان تبرر بها وسيلته القذرة للتسلط والاساءة الى كرامة الناس...

واليوم في عراقنا ((الديمقراطي)) وما نشهده من تجاوزات وانتهاكات صارخة ، هل يمكن اعتبار هذا التشكيل العسكرتاري الخاص جزءا من دعائم العملية الديمقراطية ..؟؟ وهل لها ضرورة التواجد في ساحات الملاعب الرياضية بهذا الشكل المخيف وتفعل ما تشاء دون مسائلة بسبب عدم خضوعها للقوانين السارية ..؟؟ ولهذا فان السكوت يمهد الطريق نحو المزيد منها ، وان الخطوة التي اتخذتها بعض الاندية الرياضية بانسحابها من دوري النخبة على خلفية هذا الحدث المروع ، هي ليست كافية  ما دامت الحكومة عاجزة تماما عن كشف اسباب الجريمة وملابساتها  ، ودون ان تتخذ البرلمان موقفا واضحا منها ، والذي كان من المفترض ان يكون له موقف كمجلس دستوري له ثقله السياسي والوطني ، لان الجريمة هي بحد ذاتها انتكاسة وطنية تسء لسمعتنا في المحافل الدولية ، وربما سيكون سببا يدفع بالاتحاد الدولي لكرة القدم ان تغض الطرف عن مسالة عودة منافساتنا الدولية على الارض العراقية ، ولهذا فان الاعتصام الرياضي امام مكتب رئيس الوزراء بلا شك يكسر الجمود والشبهات ، وهي الوسيلة التضامنية الوحيدة التي تأتي ثمارها لمعرفة الدوافع والنوازع التي هيأت الارضية لحدوث الجريمة أمام أعين  الآلاف من المتفرجين ....