حينما تجلس في مقهى وتسمع نقاشاً خارج النص، فقل هذه لمّة عراقية. وعندما ترى سائق تاكسي يشتم الخلّفوه ضارباً بيده على الستيرنغ، فلا تعجب لأنه يشتم الحكومة بطريقة عراقية. وعندما تقرأ لكاتب يثرد بصف الماعون فلا تقلب الصفحة وتأكد انها جريدة عراقية. اقول هذا ليس لأن العراقيين وانا عراقي، لا يعرفون اصول الحديث، حاشا. بل لأن التغريد خارج السرب بات يشكل ظاهرة ملفتة في احاديثنا. فما ان تدخل في نقاش مع احدهم حتى تراه يشرق ويغرب مبتعداً عن اصل الموضوع، وعندما تناشده بالزبدة، صاح بك اوهوووو انا صوچي اناقشك. ما يزيد الطين بلّة حالة الأعتراض على كل شيء التي باتت هي الأخرى تشكل ظاهرة سلبية في المجتمع. فجرّب مثلاً ان تكتب سطرين في مديح الشباب المصري وحركة تمرده الأخيرة لتجد الف سطر نقداً وعداً كتبت تسفّه رأيك. واذا جربت ان تنتقد المصريين وتقلل من اهمية ثورتهم سترى الفاً آخر يعترض على ما تقول. لا ندري ماذا نريد بالضبط، هل نحن مع حركة الشعوب ضد حكامها ام العكس؟ هل علينا الوقوف معهم ام ضدهم؟ لماذا يُستفَز البعض حين يُمدَح غيره، وتراه يذهب لخلق المبررات على فشله؟ في العراق نحن لا نعرف ما نريد، لا المعارضون يعارضون، ولا الموالون يوالون. شتريدون بالضبط؟! تحب الحكومة وتشتمها في آنٍ واحد وعندما تناقش الآخرين تفتتح كلامك "انا ما ادافع عن المالكي لأن ما احبه" وانت تعبده الّا قليلا. الآخر يرفع شعار العلمانية ويدعو الى الدولة المدنية بينما يمدح جهاراً نهاراً بجماعات اصولية متطرفة حد اللعنة.. شنو السالفة؟! ماذا يجري والى اين نسير؟ لماذا كل هذه الازدواجية في الطرح؟ ولماذا لا تستقرون على رأي وتذبحوها على قبلة؟ بصراحة لا اخفيكم تشاؤمي مما يجري، فنحن نؤسس من حيث لا ندري الى ظاهرة خطيرة على المجتمع، اعني ظاهرة الأختلاف للأختلاف فقط. اي نعم صرنا نختلف دون غاية، بل نخلق من كل حدثٍ يمر بنا نقطة افتراق وتشرذم. تذكروا ياسادة اننا لسنا بحاجة لتبرير الفرقة لأن ما فينا مكفّينا، وعندنا من اسباب التنافر ما يغنينا عن استيراده من الخارج، فلا تزيدوا علينا مالا طاقة لنا بحمله. مايجري في المنطقة من تغيرات متسارعة نحن معنيون بها شئنا أم أبينا، لذا فمن المنطقي جداً ان نتفاعل معها لتجد رأياً هنا ومقارنةً هناك. هذا كل ما في الأمر فلا تنفخوا في كيس الفرقة لأنه وشك على الأمتلاء. |