إلقاء القبض على مرسي

 

لم أتفاعل مع جريمة قتل المدرب محمد عباس، إلا متأخراً، لأنني اعتقدت أن في الموضوع تفاصيل أخرى تستطيع أن تبرر الطريقة الوحشية التي قُتل بها. هذه الكسور التي أصيبت بها جمجمته والتي أماتته سريرياً، غير مفهومة!! وانتظرت التفاصيل، وحتى عندما اكتفت الحكومة بوعد باهت بمعاقبة المقصّرين، بقيت انتظر ما يبرر لي هذا التعامل الوحشي. وأنا إلى الآن بحاجة لمن يقول لي، ما الذي فعله الرجل لتُنْتَزع روحه بهذه الطريقة الوحشية؟!
ثم بقيت اتردد في الاشتراك بإثارة الموضوع إلى أن آلمني خبر موته، ولحظتها أحسست بالقيمة الحقيقية للمواطن العراقي عند المسؤولين. فالتفاصيل الدقيقة للجريمة بقيت غائبة ولم تتول جهة قضائية أو أمنية الكشف عنها، لأن المسؤول العراقي الذي "يستنكف" من الخروج لتبرير الجرائم التي تحصد العشرات يومياً، لن يخرج لتبرير قتل مواطن واحد.
الدم العراقي رخيص، وخبر موت العراقي صار مبتذلاً، والشعب هو المسؤول عن تدني قيمة دمائه عند المسؤولين عن حمايتها. فبما أننا لم نحصل ولا مرة واحدة على أي اعتذار من أي مسؤول أمني، على الرغم من بشاعة الجرائم التي نتعرض لها يوميّاً، فهذا يعني بأننا جميعاً كنّا نمارس، وبشكل يومي، عملية خفض لقيمة دمائنا.
إزاء كل جريمة تُرْتكب هناك مجرم ارتكبها، وهناك مسؤول قصَّر في الحيلولة دون وقوعها. ولن يكُفَّ المجرم عن ارتكاب جرائمه إلا عندما يقف بوجهه مسؤول نزيه وكفء، ولن نحصل على هذا المسؤول ما دمنا نسكت عن تقصير الفاسد وغير الكفء، لا بل نجزل له العطاء ونحيطه بالولاء.
دائما أقول إن المجرم بحقنا ليس الإرهابي وحده، فللمسؤول عن حمايتنا السهم الأكبر في جرائم الإرهابيين؛ لأن عمل الإرهابي هو قتلنا.. واجبه الذي يسعى لتأديته هو تفجيرنا؛ إما لأنه يعتقد بأن في قتلنا انتصار للقضية التي يؤمن بها، أو لأن هناك من يجزل له العطاء ليقتلنا. ومن هنا فالإرهابي يؤدي دوره على أكمل وجه، والذي يساعده على تأدية هذا الدور بشكل متقن، هو المسؤول الأمني الفاشل، فهناك علاقة عكسية بين نجاح الإرهابي وفشل المسؤول، وكلَّما كان المسؤول فاشلاً أكثر استطاع الإرهابي أن يفتك بنا أكثر، والعكس صحيح. وبالنتيجة يكون حجم فشل المسؤول عن حمايتنا كبيراً بقدر نجاح الإرهابي بحصد أرواحنا. وبإجراء جردة بسيطة لعدد ضحايا الإرهاب، نستطيع أن نعرف حصَّة المسؤولين الأمنيين بالجرائم التي يرتكبها الإرهاب بحقنا.
في النهاية لم يقتل المدرب محمد عباس جندي أو مجموعة جنود، بل قتله المسؤول.. المسؤول الأمني الفاشل، والفاسد والمتراخي بتأدية واجباته، هو المجرم الذي يجب مطاردته.