تعويض عائلة المدرب المغدور

 

حتى لو قرر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، أمس الاول، راتباً تقاعدياً لعائلة مدرب نادي كربلاء المغدور على أيدي قوات "سوات"، محمد عباس، يعادل الراتب التقاعدي لعشرة شهداء بدلاً عن واحد، وحتى لو كانت قطعة الارض السكنية التي قرر منحها لعائلته بمساحة 3000 متر بدلاً عن 300 متر، وحتى لو كان المبلغ الذي قرره لتغطية مصاريف الدفن ومجلس العزاء وسواهما 100 مليون دينار بدلاً عن 10 ملايين، وحتى لو جرى اعتقال كل عناصر قوات "سوات" وقادتها وتقديمهم الى المحاكمة والحكم بالاعدام لبعضهم والسجن مدى الحياة للبعض الآخر بتهمة القتل والتسبب في قتل المدرب الراحل اثناء قيامه بواجبه في ملعب مدينته، فانها اجراءات غير كافية في نظر أفراد عائلته وزملائه في نادي كربلاء وفريقه وأنصار النادي ومشجعي كرة القدم وسائر العراقيين الذين أغضبهم وأفزعهم التصرف الوحشي لعناصر "سوات"... هي غير كافية لأنها ببساطة لن تعيد محمد عباس الى الحياة.
أما وقد وقعت الواقعة وليس في الإمكان إعادة محمد عباس الى أهله وأصدقائه ورياضييه والمشجعين المفجوعين بمقتله تلك القتلة الشنيعة، فان الأهم من تخصيص راتب شهيد لعائلة الفقيد وقطعة أرض للسكن ومبلغ لتغطية مصاريف الدفن والعزاء واعتقال 31 من عناصر "سوات"، أن يُوضع حدّ، مرة والى الأبد، للمارسات غير القانونية لعناصر أجهزة الدولة، وبخاصة العسكرية، ضد المواطنين.
مشكلتنا مع القوات المسلحة في ما مضى انها كانت أداة للقمع والطغيان في أيدي الانظمة الدكتاتورية. وعلى مدى عقود تعهدت قوى المعارضة في ما تعهدت بانشاء جيش وطني وشرطة وطنية يلتزمان بأحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الانسان، ولقد تحقق للمعارضة بعد اطاحة نظام صدام حسين ما أرادت، وهو تولي السلطة، لكنها لم تف بتعهداتها، ومنها ما يتعلق بالشرطة الوطنية والجيش الوطني.
جيش اليوم وشرطة اليوم تحت إمرة قائدها العام ووزيرها نوري المالكي لا يختلفان في سلوك الكثير من عناصرهما تجاه المواطنين عما كان عليه جيش صدام حسين وشرطته، والقتلة الشنيعة للمدرب محمد عباس واحدة من مئات بل آلاف الوقائع المماثلة التي أخذ الكثير منها طابعاً جماعياً، كما حصل مع متظاهري 2011 واعتصامات الحويجة والانبار والموصل هذا العام.
جيش نوري المالكي وشرطته لا يلتزمان بالقانون والدستور ولا يطبقان مبادئ حقوق الانسان .. على مدار الساعة وفي كل مدن البلد وقراه يتعرض المواطنون من كل الفئات، بمن فيهم العاملون في العمل العام كالصحفيين مثلاً، الى معاملات حاطّة من الكرامة الانسانية من عناصر في الجيش والشرطة، والمواطنون فاقدو القدرة والحيلة على ردّ هذه الاعتداءات، لأنهم لا يعرفون لمن المشتكى، ولأنهم يخشون عواقب الامور إن احتجوا أو اشتكوا، فبكل بساطة يُمكن توجيه الاتهام اليهم بالاعتداء على موظفين حكوميين اثناء تأديتهم الواجب أو حتى بالارهاب وفقا للمادة 4 من قانون مكافحة الارهاب! وقد حصل هذا بالفعل في مئات الحالات، وألقي في المعتقلات والسجون بأبرياء، مات بعضهم تحت التعذيب، نتيجة لوشايات وتهم كاذبة، وهذا ما اعترف به مسؤولو الحكومة على هامش الاعتصامات في الانبار ونينوى وصلاح الدين.
يُخطئ مجلس الوزراء إن اعتقد انه بالفتات الذي يرميه على عائلة الشهيد محمد عباس سيعوض هذه العائلة المكلومة، فكل مليارات البنك المركزي التي يُراد نهبها لا تعوضهم، ولا تعوضنا معهم .. ما يعوضنا أن يُعاد بناء الجيش والشرطة على أسس الوطنية التي تجعهلما مؤسستين تخدمان الشعب ولا تتسلطان عليه.