الجنرال يرفض أن يستقيل!











لم اصدق ما قرأت في بعض المواقع الالكترونية حول قيام رئيس اركان الجيش العراقي الجنرال «بابكر زيباري» المحسوب على التحالف الكردستاني بتقديم استقالته الى القائد العام للقوات المسلحة «نوري المالكي» مشفوعة برسالة بعثها اليه يشكوه فيها «تدهور الوضع الامني في العراق» وعجز حكومته على «بسط الامن والحد من الهجمات الارهابية التي ازدادت في الفترة الاخيرة نتيجة سياساته الخاطئة» وربما احس الرجل اخيرا انه اصبح مهمشا من قبل رئيسه ولا يمارس دوره كقائد عسكري كبير، فقدم استقالته. 

لم يكن سبب اندهاشي الكبير في الخبر بحد ذاته، ولو انه يعتبر مفاجئا وجديدا للعراقيين، كونهم لم يسمعوا عن مسؤول عراقي رفيع وحتى غير رفيع حتى الان على الاقل منذ ان استولى الانقلابيون على الحكم عام 1958 ان قدم استقالته اعتراضا على الاوضاع السيئة التي تمر بها البلاد، فلم تتأثر المناصب بالاوضاع السيئة مهما تفاقمت، وظلت الانظمة العراقية المتعاقبة تحافظ على قياداتها وتحوط عليها وتذب عنها مهما عرضت امن البلاد للخطر جراء افتعالها للحروب واثارتها للازمات والجرائم التي ارتكبتها بحق العراقيين، كما في حالة «صدام حسين» رئيس النظام الدكتاتوري البائد وفي حالة «نوري المالكي» في النظام «الديمقراطي» الجديد الذي تباع فيه المناصب وتشترى كأي سلعة اخرى، فالوظيفة الاعتيادية في بعض دوائر الدولة تكلف صاحبها عشرة الاف دولار، فكيف بالوظائف الكبيرة؟ فهل من المعقول ان يستقيل المسؤول الكبير عن منصبه لمجرد مظاهرة هنا او انفجار هناك ويترك السلطة والجاه والحشم والخدم ويعود الى صفوف الشعب ليناضل من جديد؟ هل من المعقول ان يضحي بكل هذا لمجرد ان ضميره استيقظ وشعر بالذنب على التقصير في حق الشعب كما يتصوره الحالمون؟ 

الاستثناء الوحيد من بين المسؤولين العراقيين الذين قدموا استقالتهم الى رئيس الوزراء «المالكي»، هما وزيرا التربية «محمد تميم» ووزير الزراعة «عزالدين الدولة» من القائمة العراقية تأييدا ودعما للمتظاهرين السنة في المحافظات الغربية وتنديدا بموقف رئيسهما السلبي من مطالبهم المشروعة، ولكن لم يلبثا كثيرا حتى سارعا الى التراجع عن قرارهما «الشجاع!» وعادا الى وظيفتهما «اللقطة» قبل ان يحتلها اخرون ويستولوا عليها «وهم كثر»، وبعدما رأيا ان كتلتهما قد انقسمت على نفسها، ولم تعد قوية بما يكفي لتقف بوجه ائتلاف «المالكي»، ففضلا التراجع عن موقفهما «المتهور» والعودة الى رشدهما قبل فوات الأوان.. اقول سبب تعجبي من استقالة الجنرال «بابكر زيباري» المفاجئ ليس الخبر الذي نشر في عدة مواقع الكترونية معتبرة ولكن يعود الى توقيت الخبر الذي جاء بعد اربعة او خمسة ايام بالضبط من كتابتي لمقال في هذا المنبر الاعلامي العتيد والذي طالبت فيه «الجنرال» بتقديم استقالته فورا، لانه لم يعد يمارس وظيفته كما ينبغي، وأصبح عبئا على العراقيين وعلى الاكراد الذين رشحوه لهذا المنصب ايضا، قلت ربما ان الرجل قد قرأ المقال وتأثر به، فبادر الى هذا القرار «التاريخي»، لم لا وهو عسكري منضبط من الطراز الاول، يحب الصرامة والانضباط ولا يعجبه الحال المايل، ولكن.. كنت مخطئا جدا، وواهما جدا، ففور اذاعة خبر الاستقالة جاء خبر اخر من مكتب الجنرال يكذبه وينفى قيام «سيادته» بتقديم استقالته الى رئيس الوزراء، وهو باق في منصبه ولا يتزحزح عنه مهما كثرت الاقاويل والشائعات «المغرضة!»، ومن عجائب الصدف ان قرار نفي خبر الاستقالة جاء متزامنا مع قيام قائد عمليات دجلة البعثي القديم «عبدالامير الزيدي» الذي ساهم كقائد ميداني في عمليات الانفال السيئة الصيت عام 1988 (ذهب فيها اكثر من 180 الف كردي بريء)، بإحالة «600» عسكري كردي من لواء 16 الى المحاكم لعصيانهم الاوامر العسكرية الصادرة منه شخصيا بالهجوم على ناحية «سليمان بك» والاشتباك مع العشائر السنية فيها.. والله فيهم خير الجنود الذين رفضوا الاوامر الظالمة وقالوا «لا»، والباقي على الضباط الكبار امثال الجنرال «زيباري» يرون الحقوق تنتهك ويسكتون.