أينما أذهب هذا الصباح , والتحية (هَبي فورث أوف جولاي) , إنه يوم الحرية الأمريكية , إذ يحتفل الناس بالحرية وسيدتها التي ترفع شعلتها لتضيئ البصائر والتفوس , وتذكرهم بأن الإنسان ولد حرا وعليه أن يعيش عزيزا كريما. ومنذ عام 1776 وهذه العبارة تتردد على ألسن عشاق الإستقلال والحرية والديمقراطية , وما عرفناها في مجتمعاتنا , ولا مارسناها على مدى القرون. وفي الثالث من تموز (جولاي) , أعلن الشعب المصري يوم حريته , وعبّر عن كلمته بالفعل المتفق وإرادة الجماهير , التي هبّت من أقصى مصر إلى أقصاها , تطالب بالحرية التي ثارت من أجلها , وغيرت النظام في ثورتها الأولى , والتي تواصلت لتعيد للثورة الأم روحها , في يوم الثالث من تموز عام 2013. فحقيقة ما جرى في مصر , أن الثورة الأولى قد تحققت بجذوة شبابية عارمة , إلتف حولها الشعب والجيش , فأطاحت بنظام مبارك , ولم يكن للإخوان دور كبير أو قيادي فيها , لكنهم الحزب الوحيد العريق , صاحب التنظيم القويم , والقادر على المطاوعة والمطاولة على مدى عقود عديدة , فكان لتنظيم طاقاته وقدراته التعبوية الدور الأكبر في الفوز بالإنتخابات , ذلك أن القوى الثائرة , لا تملك خبرة ولا قدرة على التوافق والإتفاق , كما أنها خالية من القيادة الفعالة المؤثرة , مما أضعف دورها وحرمها من تحقيق الفوز في الإنتخابات , ولهذا فاز حزب الإخوان بفارق قليل , فلم يكن الفوز ساحقا أو بنسبة كبيرة. وحزب الإخوان لا يملك خبرة في الحكم , ولهذا تعثر ومضى في سياسة تأكيد قوة الحزب وتشديد قبضته على السلطة , كأي حزب ديني بلا خبرة , حيث يتم التقوقع والتخندق , واتخاذ القرارت السلبية التي تزيد من العزلة وتنمية التفاعلات المضادة , وهذا ما حصل للثورة المصرية. مما وضع الشعب في محنة إقتصادية وإجتماعية وحيرة وقلق , لعدم وضوح الرؤية واتخاذ الخطوات اللازمة لصناعة الأمل والتفاؤل , فأعطى فرصة ذهبية للقوى المعارضة التي خسرت الإنتخابات , للإستثمار في هذه الحالة , التي إزدحمت بالقرارات الخاطئة , وكان أكبرها قرار الإعلان الدستوري , الذي أطاح بالرئيس وحزبه , ومنذ ذلك القرار والوضع في مصر يتخبط ويتعقد , وكان لا بد من مخرج , لحماية المصلحة العامة. ولا توجد أية مؤسسة أو قوة للتدخل إلا الجيش , مما أدى إلى إعتبار ذلك ربما إنقلابا على الديمقراطية , لأن الجيش أطاح برئيس منتخب. بينما واقع الحال , بشير إلى أن الخيارت جميعها قد أُسْقِطت , وما تبقى إلا هذا الخيار , وإلا ستدخل البلاد في حرب أهلية طاحنة. لقد فشل الإخوان , وارتكبوا أخطاءً , وما تفاعلوا دائما كساسة , وإنما كأنهم رجال دين في معظم الأحيان , يريدون فرض عقيدة دينية على السياسة , وتحويل المجتمع إلى حالة لا تتفق ومعطيات العصر. لكنهم تعلموا وإكتسبوا خبرة كبيرة , وأظنهم إن تعقّلوا , وتفاعلوا بإيجابية , فسيحققون فوزا متميزا في الإنتخابات القادمة , وسيثبتون بأنهم الأحق في القيادة والحكم , وفقا للأصول الديمقراطية والدستورية. وما قام به الإخوان في مصر , قامت به جميع الأحزاب الدينية في دول المنطقة , والفرق أن في مصر مؤسسة جيش قوية , وفي غيرها تم إضعاف أو تدمير الجيش , وتحويل الواقع السياسي , إلى صراعات طائفية ومذهبية وغيرها من دواعي الإتلاف الوطني. وربما ستثبت التجربة المصرية بأن الديمقراطيات العربية بحاجة إلى مؤسسة عسكرية قوية مستقلة , تحافظ على مسيرتها , وتمنع عنها التناحر والإقتتال الفئوي البغيض. ترى هل ستتمتع مصر بالحرية والديمقراطية حقا , أم أنها ستتحول إلى حالة أخرى , لا نرجوها لمصر الكنانة والعروبة والثقافة والأمل العربي الكبير. إن الأيام ستجيب , وندعو الله أن يحفظ مصر ويحمي أهلها من العاديات والشرور , وأملنا أن تتمكن جميع القوى من التفاعل الوطني الإيجابي , لبناء نظام ديمقراطي رصين , يحمي الجميع ويصون الحقوق والحريات. فلا نريدها حالة تركية او جزائرية , بل مصرية أصيلة ذات آفاق عربية مشرقة!!
|