المُلاوَمَة.. !! |
والمُلاوَمة: أن تلوم رجلا ويلومك. وتلاوموا: لام بعضهم بعضا. واللوم: العَذْل. ونقول: لام يلوم ولائم. ويلومه ويلوم غيره ولا يلوم نفسه! وفي اللوم سلوك إسقاطي , وآليات خداع وتضليل للنفس والعقل , وتحريف للحقائق وإغفال للأسباب , وإنكار للنتائج والتداعيات. والتفكير في مجتمعنا يتحدد بهذه النظرية القاهرة للإبداع والإبتكار والتقدم , وبسببه صار الميل السائد عبارة عن إستثمار في الملاومة , وإمعان في إستلطاف لِما تشير إليه وتعبّر عنه من وسائل وتفاعلات , تؤكدها وتفرزها وتجعلها موروثا بايولوجيا وإجتماعيا , قائما ودائبا في عروق الأجيال. نتعلم ذلك منذ الصغر , فإذا أخطأنا أنكرنا المسؤولية وألقيناها على الآخر. والأب والأم يساهمان في ذلك , لأن عيونهما لا ترى خطأ أبئائهما , وكل ما يقومان به , هو تنزيه سلوك الطفل وتحريره من المسؤولية. أبناؤنا لا يفعلون كذا وكذا , ولابد أن يكون الآخر. ووفقا لهذه الآليات المتبادلة , تنمو في نفوسنا قدرات اللامسؤولية , وعدم الإعتراف بالخطأ , ونندفع بإتهام الآخر , فترانا نتحدث عن المؤامرة على مستوى الفرد والمجتمع والوطن. وفكرة المؤامرة , في معظم مراميها , محاولة للتنصل عن المسؤولية , وعدم الإعتراف بالخطأ , نرى ذلك في أنظمة عربية معاصرة وسابقة , وهي تعبر عن فقدان قدرات الرؤية الواقعية والعلمية والتحليلية والمراجعة والنقد. إن المجتمعات التي تتعلم آلية الملاومة تتهاوى في وديان الخسران , لأنها تبدد طاقاتها وتمحق قدراتها , ولا تستطيع إبصار السبيل إلى المستقبل الأفضل , وتتحجم رؤيتها وتتصاغر في مكانها, الذي يزداد ضيقا واضطرابا وتفاقما. وما نراه من إنحدار إلى مدارات إنقراضية ضيقة , كالطائفية والمذهبية والتحزبية والفئوية والفردية , وغيرها من دواعي التشظي والإنهيار والإندثار , لدليل أليم على آليات الملاومة الفاعلة في عروق المجتمع, والتي ستلغي وجود الوطن كدولة , والمجتمع ككيان إنساني حضاري قاعل في صناعة الحياة الأفضل. ومن يتعمق في دوافع التشظي والتفتت , يكتشف أن المشاعر السلبية والأفكار المتفقة معها , والناجمة عن نوازع الملاومة الخفية والدفينة فينا , هي التي تتفاعل بضراوة لصناعة الصيرورة الضارة بالمجتمع والوطن وتدمير المصلحة العامة. إن وعي آليات الملاومة , وإدراك الوسائل اللازمة لتفاديها ومناوءتها , تحقق حضورا معاصرا للإنسان , وتنمي طاقات المجتمع , وتحمي الوطن من الإنهيار والدمار. فلماذا لا ننظر في أنفسنا , ونبحث عن الآليات المعوقة للمحبة والرحمة والبناء , والتفاعل الجماعي الوطني الصالح. لماذا لا ندرك أسباب ضعفنا الحقيقية , ونطرد سراب النكران والتبرير, ونلعن الإسقاط , ونعرف كيف نتفاعل من أجل مصالحنا الوطنية والإنسانية , وثرواتنا ومستقبل أجيالتا. إنها مسؤولية وطنية حضارية علينا أن نكون أهلا لها. |