لا يتحاورون !!

 

 

 

 

 

 

كلما سمعت كلمة (حوار) , تتردد على لسان السياسيين في خطبهم , أعرف بأن المشكلة قد تعضلت وتطورت , ووصلت إلى طريق مسدود,  فهم يدركون ويؤمنون  تماما بأنهم يكذبون, ويسوغون ما سيقدمون عليه من إجراءات تعسفية.

فالحوار بمهاراته ومفرداته وآلياته , غائب ومجهول ومنكور , في واقعنا العربي من أقصاه إلى أقصاه , فهل وجدتم قضية عربية واحدة تم حلها بالحوار , إبتداءً من أكبر قضية إلى أصغرها.

وبسبب ذلك فالمجتمع العربي مرتع خصب للإستبداد والتطرف والفئوية والتحزبية , ولا يمكنه أن يتجاوز القبلية والعشائرية , والإنتماء للفرد وتعظيمه وتأليهه , وأن يكون تابعا ومذعنا مُصادر الإرادة.

فالعرب لا يعرفون الحوار , بل أن هذه المفردة غريبة , ويحسبونها ضعفا وجبنا وتمريغا للرجولة في أوحال المذلة والهوان.

وبسبب فقدان الحوار , فلا يمكنهم إقامة أنظمة ديمقراطية حقيقية , لأن الديمقراطية جوهرها الحوار , والقبول بالرأي الآخر ,والتفاعل الإيجابي لتحقيق مصلحة العباد والبلاد.

والحوار في أصله , مرحلة متقدمة في النضج الحضاري الإنساني , تصل إليها الشعوب والمجتمعات عبر مسيرتها الطويلة , ويكون ثقافة مترسخة في أعماق الأجيال ونفوسهم وأفكارهم وأذواقهم وعقولهم , التي يستنهضون ما فيها من القدرات لتأكيد ثقافة وسلوك الحوار.

فثقافتنا وتربيتنا ليست ثقافة وتربية حوار.

ونحن مجتمعات تعلمنا عبر العصور أن نؤكد سلوك " سبق السيف العَذل"

وبرغم أن نبينا وقرآننا أعطيا أهمية كبيرة للحوار , ودوره الإيجابي في صناعة الحياة الأفضل.

"...وجادلهم بالتي هي أحسن....". النحل 125

وقد ترجمنا بسلوكنا الأحسن إلى القوة والهيمنة على الآخر من بيننا.

فنحن أكثر عدوانية على أخينا , وأشد قسوة , من أي عدو آخر عليه.

فعدونا لايفعل بنا مثلما نفعله نحن ببعضنا البعض.

فعدوانيتنا داخلية , وهي تعبير عن التدمير الذاتي والموضوعي.

وفي عصر نسميه بالديمقراطي , فأن هذه العدوانية قد إنفلتت واتخذت أبعادا مذهبية طائفية دينية , مما أججها ومنحها طاقات تدميرية هائلة.

ووسط هذا الجحيم اللاهب , تحول الحوار إلى سراب وخيال وضعف , وانطلقت قدرات الشرور , بعد أن رفعت شعارات دينية , وتخندقت خلف أجندات ذات طاقات وهمية عالية , لا يمكن للحوار أن يكون له مكانا فيها.

فهل سمعتم على مدى التأريخ أن أحزابا وفئات دينية تتحاور.

إنه المأزق الحضاري الفتاك الذي قفزنا إليه , فتورطنا في مصيرنا القاسي , وبملئ إرادتنا واختيارنا , وخضوعنا لآليات الإندثار والإنقراض والفناء.

فهل سنتعلم الحوار ونعاصر , أم سنبقى في خنادق التناحر والتصاغر؟!

 

*وهم يتحاورون أي يتراجعون الكلام. والمحاورة مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة, وقد حاوره.