تابعت خطاب الرئيس المصري محمد مرسي يوم 2\7\2013 , وحسبته الخطاب الأخير ,لأنه كان مبدئيا وعقائديا أكثر منه سياسي. وتابعت الأخبار في اليوم التالي , التي أكدت خلعه وتولي السلطة من قبل رئيس المحكمة الدستورية. ورحت أتأمل مصر التي إنشطرت ما بين مؤيد ومعارض , وكأنها تحولت إلى حالتين مضادتين منفعلتين, متحركتين بإتجاهات مجهولة وغير حميدة! وحضر سؤال مفاده: هل أن الربيع العربي يهدف إلى تدمير الجيوش العربية؟! فالدول التي حصل فيها تبديل الأنظمة , قد تدمرت فيها قوتها العسكرية , وإنمحقت جيوشها , ولا تزال آلية تدمير الجيوش متواصلة , كما نشهده في سوريا , ويُخشى أن يتحقق ذلك في مصر , التي ربما أدركت اللعبة , وبادرت إلى الأخذ بزمام الأمور , وتحاشي الوقوع في فخ المواجهة الإنهاكية التدميرية الساعية إلى إلغاء القوة العربية العسكرية. ويبدو من خلال التجربة الديمقراطية المصرية , وكأن النظام الديمقراطي العربي الحقيقي , لابد له من جيش قوي يسانده ويحميه , وإذا تم إضعاف الجيش أو تحويله إلى ألعوبة للكراسي والأحزاب , فأن الديمقراطية لا يمكنها أن تكون في مجتمعاتنا , ذلك إن أي مجموعة إذا امتلكت قوة فأنها ستستخدمها ضد غيرها من فئات المجتمع , وهذا يعني أن الديمقراطية تؤسس لحروب أهلية , وحالات صراعية متفاقمة. وفي هذا الخضم العنيف , بما يظهر منه وما يخفى , يتوجب على الجيش أن يكون مع الشعب , وأن ينأى بنفسه عن الأحزاب والكراسي , ويبقى مؤسسة وطنية مستقلة , تحافظ على أمن الوطن وسيادته , وتتأهب للتدخل السريع لمنع التداعيات والتفاعلات السياسية , التي ربما تكون دامية ومضرة بالمصالح الوطنية. وما قام به الجيش المصري , ربما يُعد خطوة لحماية الشعب والديمقراطية , وفقا للنهج العربي , الذي أثبت بأن الديمقراطية لا يمكنها أن تكون من غير الجيش القوي المساند لها , والمناهض للتطرف وعدم التفاعل الإيجابي مع الشعب. أي أن الجيش يكون المراقب والمقيّم للسلوك السياسي الديمقراطي , ويتدخل عند الضرورة القصوى. ومن الواضح أن ما جرى ليس بالسهل , ولربما يُستغل لإشعال الفتنة ما بين الجيش والأحزاب الدينية , بمجاميعها المتطرفة المنفعلة الغاضبة , التي لا تفهم التحاور ولا تسعى إلا للإنطلاق نحو المواجهات الدامية , وفقا لأجندتها العقائدية , وفتاوى قادتها الذين تمكنوا من إمتلاك الناس , وحشو أدمغتهم بما يتفق وأهدافهم , بعيدا عن مصلحة الأمة والدين. ذلك أن معظم الأحزاب الدينية لا تميل إلى العقلانية , والمنهج الوسطي الذي يراعي مصالح البلاد والعباد , وإنما تتخذ في تقديراتها معايير متطرفة ومنفعلة وذات أجيج عاطفي مستعر , يساهم في تغرير الناس , ورميهم في أتون الويلات والتصادمات القاسية. وفي هذا المشهد المتأجج , يتحتم على قادة الأحزاب الدينية التحلي , بالحكمة الحلم والعقلانية , والتدبر والتفكر , وتهدأة الأمور , والإرتقاء إلى حالة الوعي الديمقراطي الرشيد , الذي يهدف إلى الوصول إلى آليات تفاعل معاصرة , تضمن حقوق وواجبات أبناء الوطن أجمعين, وأي سلوك سلبي سيتحول إلى خطيئة ذات تداعيات سيئة وضارة بالجميع. فالديمقراطية ذات فرص متوالية لا تنقطع , ولا توجد فيها خسارة نهائية , فالذي يخسر اليوم , أو يتعثر , سيجد فرصته غدا , فلنتعلم منها , ونستوعبها فكريا ونفسيا وسلوكيا , ونرتقي إلى مستواها , لكي نكون في عصرنا. نتمنى لشعب مصر الحرية والديمقراطية والأمن والسعادة والسلامة , ومزيدا من التقدم , وأملنا أن تركن الأحزاب الدينية إلى العقل , وتخوض الإنتخابات وتجد لها دورا وتأثيرا في صناعة القرارات , وقيادة البلاد إلى الأفضل والأرقى , إنشاء الله. ونتمنى للجيش المصري الوحدة والقوة والثبات على المبادئ الوطنية , والتمسك برسالته السامية النبيلة الصادقة , ذات المعطيات الحميدة الفاضلة , ووفق الله الجميع للخير والسوؤدد والرجاح. أللهم إحفظ مصر من الإنحدار إلى بحر الويلات!!
|