قانون النزاهة..

 

اخفق مجلس النواب للمرة الثانية، في التصويت على تعديل جديد، لمقترح قانوني بعنوان (قانون هيئة النزاهة)، يلزم المسؤولين في الدولة كشف ذممهم المالية، ويفرض متابعة زيادات أموال المشمولين بأحكامه، بما يفوق مواردهم العادية، واعتبارها كسباً غير مشروع، ما لم يثبت (المكلف) أن مكاسبه قانونية وشرعية. هذا القانون لم يكن إجبارياً، وكان يعمل به ضمن التوافق، وتأجل تعديله لأوقات طويلة، وحال تقديمه بصيغته المتضمنة فقرة الإلزام والفرض، اعترضت بعض الكتل السياسية على ما يخص الإجبار، لأنه يشمل جميع المسؤولين التنفيذيين والبرلمانيين والموظفين من درجات وظيفية خاصة، بمن فيهم المدراء العامين فما فوق، وآمري الأفواج والرتب العسكرية الأعلى، وبحجة إن استمارة المعلومات تتضمن تفاصيل شخصية دقيقة، ربما تكون ثغرات أمنية تعرض المسؤولين للخطر عند كشفها.
المسألة واضحة إذن، ثمة تداخل في الملفين المهمين: الإرهاب والفساد، وتلك قضية مفصلية مهمة، تتطلب بالفعل وضع إجراءات وقائية كافية لمعالجة الخلل. ولعلّ من الأجدر مناقشة البرلمان باستفاضة بأسباب الرفض والوصول إلى نتيجة فيها، بل من الواجب - لاحقاً- تقديم قوائم بأسماء مسؤولين لم يقدموا منذ عشر سنوات كشوفاً ذممية، فما الضير، لو تحقق شرط الأمان والوقاية، أن يكشف كل مسؤول ذمته المالية خلال 30 يوماً من تاريخ الطلب؟، وما المانع من اعتبار تهرّب المسؤول أو عدم استجابته للإجراء، محاولة لإخفاء معلومات ملزمة الكشف، قد تعرضه لعقوبات تتراوح بين السجن أو الحبس أو الغرامة؟.
أسئلة تبحث عن إجابة فعلية، وليس نقاشات ربما لا تفضي إلا لمزيد من الجدل، فالجميع، سواء في مجلس النواب أو أركان الدولة، يؤكدون دائماً أن البلد يواجه مشكلة الفساد كتحدٍ لا يقل خطراً عن الإرهاب، ومن هذا المسعى يفترض بالنواب أن يكونوا نموذجاً يقتدى به باعتبارهم سلطة رقابية وتشريعية أولى، وهم باكورة من يعمل بالقانون ويطبقه، لكن، وللأسف، مثل هذه الأمنية لم تتحقق حتى الآن، فها هي كشوفات دائرة الوقاية في هيئة النزاهة، رغم ايجابية معدلاتها عن الأوقات السابقة، لكنها تبقى منقوصة، إذ تشير إلى رقم 193 من أعداد نواب أفصحوا عن حيازاتهم، من مجموع أعضاء البرلمان البالغ 325، وهو عدد قليل في حسابات برلمان يتشاور هذه الأيام لصياغة مدونة سلوك نيابي، يراد لها الرصانة وترسيخ القيم الوطنية وإيثار الصالح العام وإعلاء مبدأ النزاهة، تطويراً للأداء البرلماني، كجزء فاعل في عملية الإصلاح السياسي، التي يعوّل عليها المواطن، منطلقة من برلمان انتخبه ومنحه ثقة القرار والتغيير، وهي مكانة تجعل البرلماني في تحديات الأيام القريبة القادمة، وبالأخص في لحظات حقيقة ستختصرها دقائق وقوف الناخب بمواجهة صندوق (الثأر!)، لتصبح إشارة واحدة منه كافية لإجابة أسئلة كثيرة باقية معلقة.