زارت إحدى السيدات قريبتها الساكنة في بعض أحياء منطقة الكرخ ـــ حسب ما روت فيما بعد ـــ و رجعت مذهولة من " روعة "ما رأتها و عايشتها من خدمات مقدمة للسكان القاطنين هناك ، ولا سيما على صعيد توفير الكهرباء و الماء و النظافة طوال اليوم ، فروت كل ذلك لزميلاتها في الدائرة التي تعمل فيها ، روته بعيون تلمع و تتألق إعجابا و اندهاشا وبوجه منبسط الأسارير فرحا و سرورا ، و كأنها راجعة من أجمل رحلة سياحية إلى شرم الشيخ أو جزر الكناري و بالي أو غيرها . فأضافت بنفس النبرة من الإعجاب و الدهشة : ــ ( أما الكهرباء فأنها لا تنقطع حتى ولا دقيقة واحدة !.. بينما الماء يجري صاعدا إلى الأعلى عبر الأنابيب الممتلئة و يسيل من الحنفيات على مدار اليوم بدون أي تلكؤ أو انقطاع أو ضخ متعب . و أردفت قائلة ينفس النبرة الدهشة : . في حين يمكن ملاحظة مظاهر النظافة وهي سائدة و قائمة و محسوسة و ملموسة في كل مكان في تلك المنطقة !.. بحيث تبدو الأرصفة نظيفة و لامعة ، حتى يمكن فرشها و تناول الطعام عليها من شدة النظافة و العناية ! .. أما عندنا في العديد من مناطق الرصافة ، فالكهرباء دائمة الانقطاع و الاختفاء و في الغيبوبة الدائمة في هذا المناخ القائظ و الجهنمي ، و الماء لا نحصل عليه إلا بشقة أنفس ملوثا أو مملحا .. أما على صعيد النظافة فنحن نكاد نغرق في وسط ركام من نفايات و زبالات و قاذورات ، فلماذا هذا الفارق الكبير بيننا و بينهم ؟).. ختمت تلك السيدة المحرومة من الخدمات حديثها بذلك السؤال المشروع و الواقعي جدا .. غير إننا نجد هنا إن هذه السيدة الكريمة محقة على صعيد دهشتها من مما رأتها من خدمات جيدة و ضرورية و حيوية للحياة العصرية في أحياء ما من جانب الكرخ ، و ذلك لكونها محرومة من تلك الخدمات و تعاني من نقصها الشديد المنعكس عليها و على محيطها على شكل معاناة يومية معادة ومتكررة على مدار اليوم و على امتداد السنوات الماضية .. بينما إن عملية توفير هذه الخدمات بالنسبة للمواطن غير العراقي يُعد أمرا عاديا و مألوفا ولا يستدعي كل هذه الدهشة أو الإعجاب ، غير إن " أمراء "المنطقة الخضراء و سادتها " الكرام " والنزيهين بالتمام و الكمال !! ، قد أصّروا على أن يجعلوا المواطن العراقي مشغولا و منهمكا بهموم و معاناة واهتمامات ومشاغل تعد سطحية و تافهة تماما بالنسبة لمواطن غير عراقي ، محاولين من خلال ذلك إغلاق حدود تفكيره و طموحاته ورغباته و حصرها ضمن هذه السدود التي رفعوها نتيجة لخيانة الواجب والمسئولية من قبلهم ، بحيث بات طموحاته و رغباته القصوى في الحياة تقتصر على الحصول على ساعات أطول من الكهرباء ، أو التمتع بماء صالح للشراب ، يحصلون عليه بعناء أقل جهدا و إزعاجا.. طبعا إلى جانب تركه هدفا مباشرا للموت و القتل في أية لحظة كانت ، ليبقى أسير بيته و مكان عمله فحسب في إقامة شبة جبرية .. حقيقة ....... إن هؤلاء اللصوص و المجرمين السياسيين المتنفذين قد أفلحوا في " تدجين " المواطن العراقي و حصر كل أفكاره و طموحاته في الحياة ضمن هذه الحدود و الأطر الضيقة من العيش المذل و المهين ، كي لا ينشغل بأمور أهم و أكثر أهمية من ذلك : كالعيش الكريم ، و التعمير الحديث ، و بمسألة خيانة المسئولية الوظيفية و استغلال المناصب و السلطة من أجل إثراء سريع ، و التواطؤ مع الإرهاب ، و النهب المنظم للمال العام و الحصول على امتيازات استثنائية و فخمة غير مشروعة ..
|