الى دعاة الثورة في العراق

 

منذ اندلاع الاحتجاجات ( الاولى والثانية ) في مصر والنداءات تتعالى من هنا وهناك داعية العراقيين الى التظاهر ضد "دكتاتور بغداد" الجديد . و للعراقيين المقيمين في الخارج حصة الاسد من هذه الدعوات الالكترونية التي تجاوزت في الكثير من الاحيان حدود اللياقة حيث لم تتورع عن اتهام الشعب العراقي بالجبن وخشية الحاكمين والنوم على الهوان . شخصيا ادعو الى الاحتجاج على اي نظام "ديني او سواه" اذا ثبت فشله في ادارة البلاد ولو في اليوم الاول من تسلمه مقاليد الحكم ، لكنني احتفظ بهذه الدعوة لنفسي الى حين عودتي الى احضان اولاد الخايبة ، آنذاك ستكون لنداءاتي مصداقية الثوري الذي ينشد التغيير . اما ان اكون جالسا مع عائلتي ضاما اطفالي تحت جناحي و اتمتع بكهرباء لا تنقطع لحظة وبخدمات مبرمجة الكترونية ، ياتيني جامع القمامة الى عقر داري صبيحة كل اثنين وجمعة منذ خمسة عشر عاما بلا تاخير ، فهذا ليس من الانصاف . النبي محمد "ص" وهو قدوتنا في كل خير انزله الله على البشر لم يجلس على قمة جبل حراء يصدر تعليماته لاتباعه ليغيروا الجاهلية الجهلاء الى حضارة قادت نصف العالم او يزيد . و لم يورد لنا التاريخ خبرا عن علي بن ابي طالب تخلفه عن معركة ولو واحدة بارادته سواء كان حاكما او محكوما ، بل العكس يروي لنا المؤرخون انه خرج في احدى المعارك الطاحنة وهو حاسر الصدر ليستدرج الاعداء اليه ويصرفهم عن صحابه " نفسي لك الفداء يا ابا الحسن " . وان قلتم هذه امثلة من عهد مضى وانقضى ولا نعرف صحتها من سقمها لضربت لكم من الامثال ما يخرج هذا المقال من نطاق الفائدة الى براثن الملل . اتذكر الى الان كتابا قراته عن حياة جيفارا جاء فيه ان نضاله المرير بين رفاقه ومن اجل قضيته لم يسمح له بغسل بنطاله لاكثر من عام حتى تخشب البنطال بحيث كان يستطيع ايقافه عندما يخلعه من رجليه . الامام الخميني "رحمه الله" عندما قاد اعظم ثورة في التاريخ ضد عرش الطاووس كان هو اول المكتوين باوارها ، وينقل احد مرافقيه في "بورسا" التركية التي هجر اليها ان نجل الامام التحق به للاطمئنان عليه فامره ابوه بالعودة الى مدينة قم في نفس اليوم لان والدته واخوته بامس الحاجة اليه ، اوصاه بتوزيع كمية من الفحم المخزون للشتاء على جيرانه . محمد البوعزيزي احرق نفسه اولا ليشعل عود ثقاب الثورة التونسية ضد زين العابثين بنار جسده . مهندسة الثورة اليمنية "توكل كرمان" التي اقصت عبد الله طالح كانت تتظاهر وسط الجموع وهي القادمة من عائلة ريفية توارثت الامية ابا عن جد . الشاب المصري الجميل "وائل غنيم" كان اول المكتوين بالاحتجاج ضد حسني مبارك وكلنا نتذكره حين اجهش بالبكاء امام الملايين بعد الافراج عنه . واخيرا الشاب "محمود بدر " مفجر حركة تمرد ضد الرئيس المخلوع محمد مرسي الذي استطاع وهو وسط الجماهير الغاضبة ان يكتب صفحة جديدة مشرقة لمصر يطوي من خلالها وبطريقة سلمية صفحة اخوانية سوداء . في كتاب (خريف الغضب) الذي قراته قبل اكثر من ثلاثة عقود ، (اوصي الجميع بقراءته) يروي هيكل ان العاهل الاردني الملك حسين بن طلال اقترح عليه بان يستضيفه في الاردن الى امد غير محدد ويتحمل عنه نفقات دراسة اولاده . يقول هيكل انه التقط اشارة الملك بان الاوضاع في مصر السادات لا تبشر المثقفين بخير . هيكل يقول انه رفض العرض شاكرا للملك مبادرته الكريمة مبررا الرفض بان كلمته التي انفق عمره من اجل ايصالها للمصريين عبر الصحافة سيفقدها لو انه اقام في الخارج ، فهو اما ان يلتزم الصمت وهذا ما لا يقوى عليه او يبقى بين جمهوره ... ماهي الا ايام معدودات فاذا بهيكل يودع السجن في قصة معروفة . ليس اسهل علي من ان اجلس هنا منعما بانسام التكييف في بلد لا تنقطع فيه خدمة الكهرباء طرفة عين واوجه نصائحي الالكترونية لمساكين "مسموطين سمطن " بحرارة تصهر الحديد، وادعوهم الى الثورة . فضلا عن ذلك فاننا شاهدنا الاحتجاجات سيئة الصيت التي خرجت في الرمادي ولا ادري اين وصلت الان . لكن ما اعرف عنها ان قادتها السفلة الرعاع جربوا كل البذاءات في ادارتها حتى جلبوا التعاطف مع حكومة بغداد . فقد تحولوا من طلاب حق مشروع الى قطاع طرق و قتلة طائفيين ومخربين اجراء ، فكان اول من دفع ثمن حماقاتهم وبطولاتهم الكارتونية الزائفة هم الانباريون الشرفاء . وما جرى هناك جرى بعضه في الموصل الحدباء بنسبة اقل وبتعقل اكثر . اتمنى على كل من تتوفر لديه معلومة ان يوافيني عن تعرض قوات النظام لمحتجين تصرفوا بشكل لو ان النظام تعرض لهم لما لامه احد على تصرفه . فطيلة ستة اشهر وهم راهنو البلاد والعباد بتصرفاتهم الهوجاء التي نفر منها حتى ابناء محافظتهم . هل الداعون الى الاحتجاج يطمحون الى مثل هذا النوع من البدائية في التعبير عن الراي ؟ اذن فهي الدوامة التي يريد البعض ان يدخل فيها العراق والعراقيين كي يصبح هذا البعض بطلا تاريخيا او قوميا يطمح في جائزة نوبل كما حصلت عليها بلقيس اليمنية القادمة من الريف الفقير وليس من الغرب المترف . رمضانكم كريم . وعذرا على الاطالة.