ما الذي يحدث لإنسان قليل الخبرة، حين يصبح مسؤولاً على مقدرات الملايين؟، ما الذي تفعله فيه وبه نشوة السلطة؟، هل تتغير شخصيته من النقيض إلى النقيض، يقول فرويد في تحليله لشخصية الدكتاتور: "إن السلطة تقوم بمساعدة السلبيات الكامنة داخل شخصية المستبد على الظهور". تقدم لنا مذكرات مستشاري الرؤساء ومساعديهم إجابات شافية على العديد من هذه الأسئلة، وترصد بعض ملامح التغيير الذي يحدث في شخصية الحاكم الجاهل، لحظة جلوسه على كرسي السلطة.. في مذكرات شيّقة يروي لنا الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي كيف ظهرت ملامح مبكرة لضيق حسني مبارك بالرأي المعارض.. فيما يكتب السياسي الليبي عبد الرحمن شلقم، أن القذافي كان يصاب بنوبة هستيريا كلما سمع رأيا يعارضه.. فلا مجال للرأي الآخر.. لا مجال للغة الحوار، البديل فقط لغة الفناء.. يجد الحكام "المبتدئون" في السلطة فرصة لتصفية الحسابات مع الجميع، فلابد من استخدام كرسي الحكم في هزيمة " الخصم ".. فهواة السلطة لايعرفون شيئاً سوى ان الدولة ومؤسساتها وبيوتها وناسها وأطفالها هي ملك خاص لهم. لا يعترف الحاكم "الهاوي" بالخطأ ويعتقد ان "الخطأ والصواب" لا علاقة لهما بالفشل.. حين حوّل مرسي، اكبر دولة عربية مثل مصر الى بلد مفلس.. ينتظر ان تعطف عليه قطر ببضعة مليارات.. ويستعين بجماعات إرهابية لإنقاذ جنوده المختطفين.. ويعرض قناة السويس التي حارب من أجلها عبد الناصر الى البيع في المزاد العلني.. أن يتحكم "أهله وعشيرته" في البلاد، فالأمور لا تتعدى "أخطأتُ وأصبتُ"، وحين يتقدم بلد مثل العراق سُلّم البلدان الأكثر فسادا ونهباً للمال العام.. وحين يصبح 40% من ابنائه أمّيين، وفقاً لتقارير دولية.. وتمارس فيه المليشيات دور القاضي والجلاد.. فان الأمر يدخل أيضا في قائمة "الخطأ والصواب" ألم يخبرنا المالكي ذات يوم إن المسؤول بشر يخطئ ويصيب وسبحان الذي لا يخطئ.. فلا مشكلة ان يتدرب "الهواة" لإدارة مؤسسات الدولة؟ وأين المشكلة حين يدير أمور العباد، أناس لم يديروا من قبل دكان خضروات قبل ان يتربعوا على كرسي الوزارة. ما نفع الخبرة مع مسؤولين يأتون من أحزاب تختصر الديمقراطية بصناديق الانتخابات، وبشعارات عن التكليف الشرعي والمهمة المقدسة، في تهذيب الشعب وتدريسه الأخلاق والفضيلة، فهم لا يريدون ان يعرفوا ان شرعية صناديق الانتخابات " هي الدرجة الثانية، لأن الأصل هو شرعية " المواطن " خصوصا أن آراء الناخبين قد تتغير في فترة قصيرة، وتحتاج إلى انتخابات جديدة مبكرة، ويكفى أن نتذكر أن " الفوهرر والدوتشي " جاءا ايضا إلى السلطة من خلال صناديق الانتخابات..، ثم كانت النتيجة هي " الخراب " الذي أدى الى حروب راح ضحيتها الملايين. حكام ومسؤولون يتصورون انهم لو تركوا كرسي الحكم فانهم يتركون حكم الشرع.. يحولون معركة الخدمات والتنمية والعدالة الاجتماعية الى معركة تخاض باسم السماء.. ففي مشهد كوميدي خرج امس احد أبناء محمد مرسي ليلقي على المصريين خطاباً يشير فيه الى رقابهم.. فكأن رقاب المصريين جميعا دون ولاية أبيه.. ولم يكتف بذلك بل توهم مثل والده أن الله معه: "شاء الله وقدر هذا الطريق.. وإننا ندعو الرئيس أن يثبت وأن يعلم بأن الله معه وأننا في خندق الحق من اليوم وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.. دونها رقاب الجميع.. وأقول لوالدي، اذهب أنت وربك وقاتلا إنا معكما مقاتلون.".. هكذا يعتقدون أنها حرب على بيت الله الذي يمثله رئيسا فاشلا وهاويا اسمه محمد مرسي.. وفي عراق "الرجل الأوحد" يخبرنا رئيس مجلس الوزراء إنه استطاع وحزبه أن يدحر العلمانيين والحداثويين وان ينتصر عليهم، فهو مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الشعب من الضلالة والجاهلية، هكذا يعتقد البعض ان بناء الدولة لايتم إلا في التخلص من العلمانيين، وليس في نبذ السراق والمفسدين وأمراء الطوائف. للأسف اليوم نعيش في ظل جماعات وأحزاب ترى نفسها ظل الله على الأرض، أو جنوده الذين يقتلون من أجل أن ترفع كلمته.. هذه هي الحرب التي يريدونها بديلا لحرب الأمن والخدمات والفقر والقانون المستباح.. حكام ومسؤولون يلعبون ورقة البحث عن عدو..والعدو من يقف ضد شهوتهم للسلطة.. والتهمة الجاهزة: أنهم كفار لا يريدون دولة تحكم بشرع الله.
|